بسم الله الرحمن الرحيم إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ --- فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي --- وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ --- تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ --- مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر لا غرابة أن تخرج هذه الأبيات من فيّ شاعر تونسي كبير هو "أبو القاسم الشابي"، وكأنه يوجه أحفاده بعد عشرات السنين إلى طريق الحرية والتغيير. نعم , إذا الشعب يوما أراد الحياة فلن تستطيع قوة في الأرض مهما بلغت من الجبروت والطغيان أن توقف زحفه , قام شعب تونس العظيم بانتفاضة كبيرة أزاحت عنوانا من عناوين الطغيان والدكتاتورية والتغريب في العالم الإسلامي؛ وهو "زين العابدين بن علي" الذي أسس أبشع علمانية في الأمة الإسلامية وسار على درب أتاتورك, فلم تستطع علمانيته أن تثبته في الأرض فاقتلعتها رياح الأمة العاتية. ويأبى شعب تونس الحر إلا أن يعلمنا هذه الدروس : أولهما: للحكام الطغاة الظلمة الذين يسيمون شعوبهم الذل والهوان , أنهم مهما طغوا وتجبروا وحصنوا أنفسهم بالأمن فلن يستطيعوا الوقوف أمام طوفان الأمة إذا غضبت، وأن الشعوب مهما استكانت فلابد أن يأتي اليوم الذي تثور فيه لكرامتها، وإعصار تونس خير شاهد، فقد سطر أبطال تونس ملحمة جديدة من ملاحم الصراع مع الطغيان، عندما خرجوا عن بكرة أبيهم ينشدون الحرية فاستجابت إرادة الله القدير الحكيم لهبة النشامى . ثانيها: لدعاة التغيير وإحياء الأمة من الدعاة والمصلحين، يلزمهم هذا أن يراعوا دور الأمة في التغيير فمشاركتها هو العنصر الأساس في أحداث التغيير المنشود . فلم يحدث تغيير في التاريخ إلا بأمة، حتى تغيير الأنبياء، فداود وسليمان عليهما السلام لم يغيرا إلا بأمة، وموسى نبي الله عندما انفضت الأمة من حوله بعدما دعاهم لدخول الأرض المقدسة ظلوا في التيه أربعين سنة إلى أن جاء تلميذه نبي الله يوشع بن نون وكمل المسيرة فجمع بني إسرائيل ودخل المدينة المقدسة فاتحا ومكن الله له. ومحمد – صلى الله عليه وسلم- اختار أصعب الطرق وهو تجميع الأمة وكون بهم دولة الإسلام بعد الهجرة، فالنصر لا يكون إلا بأمة وشعب يتبنى الفكرة ويسعى للتمكين لها . فعلى دعاة التغيير والإصلاح استلهام دروس التاريخ والواقع في نهضة وإحياء الأمة، وذلك بالتوجه إليها مباشرة وقيادتها لتحقيق النصر المنشود ولن يتأتى ذلك إلا بمشاركة الأمة في التغيير والإصلاح وأن يكون التغيير نابعا منها . لذا لابد أن يراعي دعاة التغيير والإحياء النقاط التالية : 1- التوجه للأمة والاختلاط معها ومعايشتها في آمالها وآلامها، والإحساس بما تعانيه من مشكلات حياتية ومعاناة وتبني قضاياها وهمومها . 2- بث روح العقيدة الصحيحة بين أبناء الأمة تلك العقيدة القائمة على إسلام النفس لله عز وجل والخضوع والاستسلام والانقياد لشرعه، والتسليم التام لكل ما جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قرآنا وسنة، وترك الخضوع لبني البشر أيا كانوا . 3- تصحيح ما اندرس من عقيدة الإسلام وما شابها من انحرافات وبدع وشركيات . 4- بث روح الوعي والفهم بين الأمة، وتبصيرها بكل ما يراد بها، وما يحاك لها من أعداء الإسلام في الداخل والخارج . 5- فضح كل المذاهب الهدامة والمنحرفة سواءا المذاهب اللادينية أو تلك المتدثرة برداء مهترئ من الدين . 6- وضع تصور متكامل عن التغيير والإصلاح يبدأ بالأمة وينتهي إليها . ثالثها: للأمة نفسها : أنه مهما طال ليل الظلم والطغيان فمعقود بنواصيك إزاحته، وأن طريق الإصلاح والتغيير يبدأ بالفهم الصحيح لحقيقة الإسلام , وأن أعداء الإسلام مهما حاولوا إبعادك عن الإسلام مصدر عزتك فلن ينجحوا . فقد حاول الليبراليون في الشرق والغرب التسويق لنظام "بن علي" على أنه أنجح نظام عربي، بعد تبنيه العلمانية المتطرفة، ومحاربته لكل مظاهر الإسلام علانية وبلا خجل، وحاولوا تلميع صورته وأنه يملك أقوى اقتصاد، وأن تونس تعيش في عصره أزهى عصور الرخاء . فكان تدبير الله لهم بالمرصاد حيث بدأ التغيير من تونس، وتمت الإطاحة بهذا النظام المتطرف ولم تنفعه تبعيته للغرب . هذا درس عظيم للأمة ألا تثق إلا في موعود الله عز وجل ، قال تعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النور : 55]. |
0 تعليقات:
إرسال تعليق