التوبة النصوح






** التوبة النصوح **

قال تعالي : ( يا آيها الذين آمنوا توبوا إلي الله توبة نصوحا عسي ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم و يدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار ) . " التحريم : آية 8 "

و عن أبي موسي الاشعري رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه و سلم قال : ( إن الله تعالي يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار و يبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل حتي تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ) صححه الالباني.

و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه )صحيح مسلم .

و عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : ( إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ) حسنه الالباني. و الغرغرة هي بلوغ الروح الحلقوم .

و النصح في التوبة هو تخليصها من كل غش و نقص و فساد .

قال الحسن البصري : هي أن يكون العبد نادما علي ما مضي مجمعا علي أن لا يعود له .

و قال الكلبي : أن يستغفر باللسان و يندم بالقلب و يمسك بالبدن .

و قال سعيد ين المسيب : " توبة نصوحا " تنصحون بها أنفسكم .

و قال ابن القيم : النصح في التوبة يتضمن ثلاثة أشياء :-

يتبع ....

مشروع اصحاب الهمم العالية



مشروع أصحاب الهمم العالية



إليك أخي أختي



أخبار قوم لم يتهيبوا صعود الجبال بل ركنوا الدنيا وراء ظهورهم و جعلوا أهدافهم نصب أعينهم ليرتقوا



ثابت البناني


ما خير في عين لا تبكي



اشتكى ثابت البناني عينه
فقال له الطبيب: اضمن لي خصلة تبرئ عينيك.
قال : ما هي؟
قال : لا تبك.
قال : وما خير في عين لا تبك

تذكر




تذكر

للشيخ أحمد العجمي

تذكر حينما تطوى وحيدا

إلى الأجداث عمرك في ذهاب

فسارع في رضا الرحمان دوما

فان القبر مبتدأ الحساب

و لا تيأس فان العجز عيب

من الإنسان في وقت الشباب

فأول ليلة في القبر خطب

بكى من أسره كل الصحاب

و بادر إن بقي في العمر وقت

فان الموت يطرق كل باب

و لا تركن لأهل الظلم يوما

فان النار موحشة الركاب

و إن مصيرها قعر ظلام

بها الزفرات تسمع في العذاب

فويل ثم ويل لمن لظاها
إذا الإنسان حاد عن الصواب

مسألة




" مسألة "



** إذا تاب العبد من الذنب هل يرجع إلي ما كان عليه قبل الذنب من الدرجة التي حطه عنها الذنب أو لا يرجع إليها ؟

قالت طائفة : يرجع إلي درجته لأن التوبة تجب الذنب بالكلية و تصيره كأن لم يكن .


و قالت أخري : لا يعود إلي درجته و حاله لأنه لم يكن ي وقوف و إنما كان في صعود فبالذنب صار في هبوط فإذا تاب نقص منه ذلك القدر الذي كان مستعدا به للترقي .


قال شيخ الاسلام : و الصحيح أن من التائبين من لا يعود إلي درجته و منهم من يعود إلي أعلي منها فيصير خيرا مما كان قبل الذنب و كان داود بعد التوبة خيرا من قبل الخطيئة .


قال ابن القيم رحمه الله : و هنا مثل مضروب ؛ رجل مسافر سائر علي الطريق بطمأنينة و أمن يعدو مرة و يمشي أخري و يستريح تارة و ينام أخري ؛ فبينما هو كذلك إذ عرض له في سيره ظل ظليل و ماء بارد و مقيل و روضة مزهرة ؛ فدعته نفسه إلي النزول علي تلك الأماكن فنزل عليها فوثب عليه ومنها عدو فأخذه و قيده و منعه عن السير فعاين الهلاك و ظن أنه منقطع به و أنه رزق الوحوش و السباع و أنه قد حيل بينه و بين مقصده الذي يؤمه ؛ فبينما هو علي ذلك تتقذفه الظنون إذ وقف علي رأسه والده الشفيق القادر فحل كتافه و قيوده و قال له اركب الطريق و احذر هذا العدو فإنه علي منازل الطريق لك بالمرصاد و اعلم أنك ما دمت حاذرا منه متيقظا له لا يقدر عليك فإذا غفلت و ثب عليك و أنا متقدمك إلي المنزل وفرط لك فاتبعني علي الاثر ؛ فإذا كان هذا السائر كيسا فطنا لبيبا حاضر الذهن و العقل استقبل سيره و استقبالا آخر أقوي من الأول و أتم و اشتد حذره و تأهب لهذا العدو و أعد له عدته فكان سيره الثاني أقوي من الأول و خيرا منه ؛ و وصوله إلي المنزل أسرع و إن غفل عن عدوه و عاد إلي مثل حاله الأول من غير زيادة و نقصان ولا قوة حذر ولا استعداد عاد كما كان و هو معرض لما عرض له أولا ؛ و إن أورثه ذلك توانيا في سيره و فتورا و تذكر الطيب و قيله و حسن ذلك الروض عذوبة مائه لم يعد إلي مثل سيره ونقص عما كان .



يتبع ....

فرص العبادة كثيرة

فرص العبادة كثيرة وخاصّة حفظ القرآن وما أدراك

وهذا برنامج عملي لهذه الفترة


تستيقظ على الساعة الرابعة صباحا-تتوضأ لتبعد الشيطان ماستطعت وتقضي على وسوسة النّوم -تتناول فطور الصّباح ولا تثقل كثيرا حتّى تطرد وسوسة الجوع وبعض القهوة تعين على النتباه
إن استطعت هات ركعتين قبل الفجر وإن أدركك الفجر فصلّه في البيت بالنسبة للأخوات وفي المسجد إن أمكن بالنّسبة للإخوان..خذ معك مصحفا صغيرا للمسجد .. عندك تقريبا ربع ساعة قبل إقامة الصّلاة

عندك الاختيار : إمّا أن تعزم حفظا جديدا أو أن تبدأ ختمة جديدة وأفضّل الأوّل على الثاني لماذا ؟
لأنّ الحفظ سيضطرّك للمراجعة والمراجعة تعني قراءة أكثر وحسنات أكثر وتركيزا أكثر ينقص من الـتّفكير في هموم الدّنيا.. آه متى تراجع ؟ عندك نصف ساعة تقريبا في الطّريق إلى العمل اجعلها لاستذكار ما تحفظ .. اجعل معك مصحفا صغيرا تنظر فيه كلما احتجت لذلك.. صدّقوني ستصلون إلى العمل أو الدّراسة في أعلى مستوى الهمّة والسّعادة والنّشاط
آه.. أيضا بعد صلاة الصّبح وقبل الذّهاب إلى العمل عندك تقريبا نصف ساعة تحفظ فيها على الأقلّ 5 آيات..
بالنّسبة لللأخوات التي لا تعمل وقتكن للحفظ أفضل منّا ولكنّ ذلك مرهون في المحافظة على التّبكير وعدم
النّوم بعد صلاة الصّبح

لست أنصحكم ولكن أوّل من أنصح نفسي والله ولأنّي جرّبت هذا النّسق سابقا مدّة سنتين فحصل لي الخير والبركة العظيمة ولله الحمد... ثمّ أخذتني مشاغل الدّنيا بعدما رزقني الله بالأبناء وتركت العمل بهذا النّظام.. وصدّقوني لا أتحسّر على شيء الآن إلاّ على الفترة التي قضّيتها دون حفظ غفر الله لي ..
فها إنّي اسوق لكم بعض تجربة من حياتي لعلّها تفيدكم في موضوعنا الأول (مراحل الأسرة )

دور المسلم في الأسرة



بسم الله الرحمان الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
الموضوع الذي تطرّقت إليه مندرج ضمن موضوع أكبر وأشمل ويهمّ كلّ الشباب دون استثناء !!
وهو دور المسلم في الأسرة وتدرّج وظيفته فيها على مراحل ومدى صمود إيمانه في هذه الوظائف حتّى يحقّق في نهاية المطاف أسرة الإسلام بكلّ معانيها. وإخواننا وأخواتنا الشباب فيهم من هو في سنّ الزّواج وفيهم من هو مقبل قريبا على زواج وفيهم من تزوّج حديثا وفيهم من تزوّج وأنجب وفيهم بسم الله ما شاء الله من أقرّ الله عينه بشهيد من أبنائه (أمّ زياد) نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا ...
إذن كلّ واحد ينتمي لمرحلة معيّنة أو وظيفة معيّنة في الأسرة ويستطيع إمّا أن يفيد وإمّا أن يستفيد من خلال الأسئلة والاستفسارات حول الموضوع
وأحثّ إخوتي وأخواتي جدّا على الاستفسار حول هذا الموضوع لأنّه مصيري كما قال الأستاذ وجدي غنيم حفظه الله "أنت مقبل على تأبيدة ... " ولأنّ موضوع تكوين الأسرة المسلمة صعب للغاية.. المسلم يجابه أعداء كثيرة في محاولة بسط الإسلام على أسرته
وتنتظره كلّ يوم آمال وآلام جديدة : الأعداء هم 6 على الأقلّ


الشيطان-النّفس الأمارة بالسّوء-شريكه الآخر-عائلته-
عائلة شريكه الآخر-المجتمع !
لأننا لا يمكن أن نتحدّث عن تربية الأطفال دون أن نتحدّث عن البدايات لأنّه وقد ذكرتي ذلك سابقا
حسن النّهايات من حسن البدايات ونعني بالبدايات :
1-كيف تختار شريك حياتك-كيف ستتصرّف في فترة التعارف-كيف تحيي زواجك ؟ : كيف يصمد إيمانك أمام الأحداث الزّاخرة التي يمرّ بها اختيار الطرف الآخر في مجتمع تطغى عليه المادّة ويستميلك للشّهوات ويقدّس المظاهر ويجعل من بعض عاداته أولويّة تتقدّم على السّنن النّبويّة.
ماذا تفعل إذا تبيّن لك أنّ من وقع اختيارك عليه غير ملتزم بمبادىء الإسلام مع العلم أنّك
2-وصلت إلى مرحلة متقدّمة قبل الزّواج : يعني هدايا مثلا.. ومصاريف.. وعائلتك تضغط عليك لأنّها لا ترى سببا حقيقيا للتّراجع ؟

هذه أولى الصّدمات النّفسيّة التي يستغلّها الشّيطان لتنقص من عبادتك ويملأ بها تفكيرك ليلا نهارا بالتّساؤلات حول هذا الموضوع ! فتنسى ذكر الله وتنقص من قراء القرآن وقد تزيد المشاحنات مع العائلة....وقد يبعث فيك الشّيظان إحباطات يصوّر لك من خلالها الحياة مظلمة وفكرة أسرة الإسلام فكرة مثاليّة أو خياليّة في مجتمعنا وتعود أدراجك إلى الوراء تقهقرا وخيبة أمل !
مشكلة أخرى : أنت قبل أن تفكّر في الزّواج كما يقال بالعامي "عصفور جنّة... خبزك مخبوز وزيتك في الكوز"
ويوم تقررّ أو يأذن الله لك بالارتباط يضع شيطان الانس والجنّ أمام عينيك قضيّة مسؤوليّة المال وأنّك ستجهّز نفسك... " تكوّن .. " كما يقال بالعامّي عندنا !! وكم أكره هذه الكلمة التي تلازم
الشّاب ربّما حتّى يصير شيخا وتصدّه عن ذكر الله وعن السبيل وترمي به في الدّنيا كالوحش في البرّية كما جاء في اللأثر ...يظلّ يلهث ويتسابق خائفا من عدم قدرة توفير متطلّبات الحياة !
فينسى ذكر الله- وينسى غايته وهي الفردوس الأعلى ....


3- مرحلة ما بعد الزّواج مباشرة : مرحلة صعبة..صعبة..صعبة (آسف إخوتي وأخواتي ممّن تزوّج حديثا أو من سيتزوّج قريبا جدّا !!)

........ يتبع

يا رجائي يا ربي



يا رجائي ياربي


ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك اعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل تجود وتعفو منة وتكرما
فلولاك لم يصمد لابليس عابد فكيف وقد أغوى صفيك آدما
فلله در العارف الندب انه تفيض لفرط الوجد أجفانه دما
يقيم اذا ما الليل مد ظلامه على نفسه من شدة الخوف مأ تما
يقول حبيبي انت سؤلي وبغيتي وكفى بك للراجين سؤلا ومغنما
ألست اللذي غذيتني وهديتني ولا زلت منانا علي منعما
عسى من له الاحسان يغفر زلتي ويستر أوزاري وما قد تقدما

انتبه كن لماحا للجمال فقط



1. انتبه : كن لمّـّاحاًًًً للجمال فقط ..


بعض الناس يتحمس كثيراً لأنْ يكون لماحاً .. فلا يكاد يسكت عن الملاحظة والثناء ..


لكنهم قالوا قديماً : الشيء إذا زاد عن حده .. انقلب إلى ضده ..


ومن تعجل الشيء قبل أوانه .. عوقب بحرمانه ..


فكن لماحاً للأشياء الجميلة الرائعة .. التي يفرح الشخص برؤية الناس لها .. وينتظر ثناءهم عليها .. ويطرب لسماع ألفاظ الإعجاب بها ..


أما الأشياء التي يستحي من رؤيتها .. أو يخجل من ملاحظتها فحاول أن تتعامى عنها ..


مثلاً :


دخلت بيت صاحبك فرأيت الكراسي قديمة ..


فانتبه من أن تكون من الثقلاء الذي لا يكفون عن تقديم اقتراحات لم تطلب منهم ..


انتبه من أن يفرط لسانك بقول : لماذا ما تغير الكراسي ؟!


الثريات نصفها ما يشتغل ..!!


لماذا لا تشتري ثريات جديدة !!


دهان الجدار قديييييم .. لماذا ما تدهنه بألوان جديدة !!


يا أخي هو لم يطلب منك اقتراحات .. ولست مهندس ديكور اتفق معك على أن يستفيد من آرائك .. ابق ساكتاً ..


لعله لا يستطيع تغييرها ..


لعله يمر بضائقة مالية ..


لعله ..


ليس أثقل على الناس ممن يحرجهم بالنظر إلى ما يستحون منه .. ثم يثيره ويبدأ في التعليق عليه ..


ومثل ذلك .. لو كان ثوبه قديماً .. أو مكيف سيارته متعطل .. قل خيراً أو اصمت ..


ذكروا أن رجلاً زار صاحباً له فوضع له خبزاً وزيتاً ..


فقال الضيف : لو كان مع هذا الخبز زعتر !!


فدخل صاحب الدار وطلب من أهله زعتراً للضيف فلم يجد ..


فخرج ليشتري ولم يكن معه مال ..! فأبى صاحب الدكان أن يبيعه بالآجل .. فرجع وأخذ وأخذ مطهرته ( وهي الإناء الذي يضع فيه الماء ليتوضأ منه ) فخرج بها ودفعها إلى صاحب الدكان – رهناً – حتى إذا لم يسدد له قيمة الزعتر يبيع صاحب الدكان المطهرة ويستوفي الثمن لنفسه ..


ثم أخذ الزعتر ورجع به إلى ضيفه .. فأكل ..


فلما انتهى الضيف من الطعام قال : الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا .. وقنعنا بما آتانا ..


فتأوَّه صاحب الدار تأوُّه الحزين وقال : لو قنّعَك الله بما آتاك .. لما كانت مطهرتي مرهونة !!


وكذلك لو زرت مريضاً فلا تردد عليه :


أووووه .. وجهك أصفر .. عيناك زائغتان .. جلدك يابس ..


عجباً !! هل أنت طبيبه ؟ قل خيراً أو اصمت ..


ذكروا أن رجلاً زار مريضاً .. فجلس عنده قليلاً .. ثم سأله عن علته .. فأخبره المريض بها .. وكانت علة خطيرة ..


فصرخ الزائر :


آآآآ .. هذه العلة أصابت فلاناً صاحبي فمات منها .. وأصابت فلاناً صديق أخي ولا يزال مقعداً منها أشهراً ثم مات .. وأصابت فلاناً جار زوج أختي ومات ..


والمريض يستمع إليه ويكاد أن ينفجر ..


فلما أنهى الزائر كلامه وأراد الخروج التفت إلى المريض وقال : هاه .. توصيني بشيء ؟


قال المريض : نعم .. إذا خرجت فلا ترجع إلي َّ .. وإذا زرت مريضاً فلا تذكر عنده الموتى ..


وذكروا كذلك أن امرأة عجوزاً مرضت عجوز صديقة لها ..


فجعلت هذه العجوز تلتمس من أبنائها واحداً وَاحداً أن يذهبوا بها لتلك المريضة لزيارتها وهم يتعللون ويعتذرون ..


حتى رضي أحد أبنائها على مضض .. وذهب بها بسيارته ..


فلما وصل بيت العجوز المريضة نزلت أمه وجعل ينتظرها في سيارته ..


دخلت الأم على المريضة فإذا هي قد تمكّن منها المرض .. فسلمت عليها ودعت لها ..


فلما مشت خارجة مرت ببنات المريضة وهن يبكين في صالة البيت ..


فقالت بكل براءة : أنا لا يتيسر لي المجيء أليكن كلما أردت .. وأمكم مريضة ويبدو لي أنها ستموت .. فأحسن الله عزاءكم من الآن ..!!


فانتبه يا لبيب .. كن لماحاً لما يفرح ويسر .. لا لما يحزن ..




مشكلة :


إذا اضطررت للمح سيء .. كوسخ ثوبه .. أو رائحة سيئة .. فأحسن التنبيه .. كن لطيفاً ذكياً ..


التوبة 2






التوبة

التوبة هي رجوع العبد الي الله و مفارقته لصراط المغضوب عليهم و الضالين .

شرائط التوبة :

إذا كان الذنب في حق الله عز و جل فشرائط التوبة ثلاثة هي الندم ؛ و الإقلاع عن الذنب ؛ و العزم علي عدم العودة .
فأما الندم فإنه لا تتحقق التوبة إلا به ؛ إذ من لم يندم علي القبيح فذلك دليل علي رضاه به و إصراره عليه ؛ و أما الإقلاع عن الذنب فتستحيل التوبة مع مباشرة الذنب .

و الشرط الثالث : هو العزم علي عدم العودة ؛ و يعتمد أساسا علي إخلاص هذا العزم و الصدق فيه ؛ و شرط بعض العلماء عدم الذنب ؛ و قال متي عاد إليه تبينا أن توبته كانت باطلة غير صحيحة ؛ و الأكثرون علي أن ذلك ليس بشرط ؛ فكم من محب للصحة و يأكل ما يضره .

أما إذا كان الذنب متضمنا لحق آدم فعلي التائب أن يصلح ما أفسد ؛ أويسترضي من أخطأ في حقه لقوله صلي الله عليه و سلم : ( من كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض فليتحلله اليوم من قبل ألا يكون دينار و لا درهم إلا الحسنات و السيئات ) فهذا الذنب يتضمن حقين : حق الله ؛ و حق الآمي ؛ فالتوبة منه بتحلل الآمي لأجل حقه ؛ و الندم فيما بينه و بين الله لأجل حقه .

يتبع ...

كن لماحا

1. كن لماحاً

قسم كبير من الأشياء التي نمارسها في الحياة .. نفعلها لأجل الناس لا لأجل أنفسنا ..

عندما تُدعى لوليمة عرس .. فتلبس أحسن ثيابك .. إنما تفعل ذلك لأجل لفت انتباه الناس وجذب إعجابهم .. لا لأجل لفت انتباه نفسك ..

وتفرح إذا لاحظت أنهم أُعجبوا بجمال هيئتك .. أو رونق ثيابك ..

وعندما تؤثث مجلس ضيوفك .. وتتكلف في تزويقه والعناية به .. إنما تفعل ذلك أيضاً لأجل نظر الناس .. لا لأجل نظر نفسك .. بدليل أنك تعتني بغرفة استقبال الضيوف أكثر من عنايتك بالصالة الداخلية .. أو بحمام أطفالك !!

عندما تدعو أصحابك إلى طعام .. ألا ترى أن زوجتك – وربما أنت - تعتني بترتيب الطعام وتنويعه أكثر من العادة .. بلى .. وكلما زادت أهمية هؤلاء الأصحاب .. زادت العناية بالطعام ..

وكم تكون سعادتنا غامرة عندما يثني أحد على لباسنا أو ديكورات بيوتنا .. أو لذة طعامنا ..

وقد قال e : " وليأت إلى الناس الذي يحب أن يأتوا إليه " أي عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به ..

كيف ..؟!

رأيت على صاحبك ثوباً جميلاً .. انتبه له .. أثن عليه .. أسمعه كلمات رنانة .. ما شاء الله !! ما هذا الجمال !! اليوم كأنك عريس !!

زارك يوماً فشممت من ثيابه عطراً فواحاً جميلاً .. أثن عليه .. تفاعل معه .. كن لماحاً .. فهو ما وضع الطيب إلا لأجلك ..

ردد عبارات جميلة :.. ما هذه الروائح .. ما أحسن ذوقك ..

دعاك شخص لطعام .. أثن على طعامه .. فإنك تعلم أن أمه أو زوجته أو أخته وقفت ساعات في المطبخ لأجلك .. أو لأجل المدعويين عموماً .. وأنت منهم ..

أو أنه على الأقل تعب في إحضاره من المطعم ومحل الحلويات .. و .. فأسمعه كلمات تجعله يشعر أنك ممتن له بما قدم لك .. وأن تعبه لم يذهب سُدَى ..

دخلت بيت أحد أصدقائك – أو دخلتي بيت إحدى صديقاتك – فرأيت أثاثاً جميلاً .. فأثن على الأثاث .. والذوق الرفيع .. ( لكن انتبه لا تبالغ حتى لا يشعر أنه استهزاء ) ..

حضرت في مجلس عام .. فسمعت حمد يتكلم مع الحاضرين بانطلاق .. وقد أحيا المجلس .. وأسعد الحاضرين .. أثن عليه .. خذ بيده إذا قمتم .. قل له : ما شاء الله ..!! ما هذه القدرات !! بصراحة ما ملَّح المجلس إلا حضورك ..

جرب افعل ذلك .. فسوف يحبك ..

رأيت موقفاً جميلاً لولد مع أبيه .. قبَّل يدَه .. قرَّبَ إليه نعليه .. أثن على الولد .. كن لماحاً ..

لبس ثوباً جديداً .. أثن عليه .. كن لماحاً ..

زرت أختك .. رأيت عنايتها بأولادها .. كن لماحاً .. أثن عليها ..

رأيت عناية صاحبك بأولاده .. أو روعة ترحيبه بضيوفه .. كن جريئاً .. لماحاً .. أثن عليه .. أخرج ما في صدرك من الإعجاب به ..

ركبت مع شخص في سيارته .. أو استأجرت تاكسي .. لاحظت نظافة سيارته .. حُسنَ قيادته .. كن لماحاً .. أثن عليه ..

قد تقول : هذه أمور عادية .. صحيح لكنها مؤثرة ..

لقد جربت ذلك بنفسي .. ومارست هذه المهارة مع أعداد من الناس .. كباراً وصغاراً .. وعمالاً بسطاء .. ومدرسين .. بل مارستها مع أشخاص يشغلون مناصب عليا .. ورأيت من تأثرهم أعاجيب ..

خاصة في الأشياء التي ينتظرها الناس منك .. كيف ؟

عريس .. رأيته بعد زواجه بأسبوع ..

رجل حصل على شهادة عليا ..

شخص سكن بيتاً جديداً ..

كلهم بلا شك ينتظرون منك كلمات .. كن كما يتوقعون ..

كان عبد المجيد - ابن عمي - شاباً في المرحلة الثانوية .. بعد تخرجه طلب مني الذهاب معه للجامعة لتسجيله فيها .. اتصلت به ذات صباح ومررت على بيته بسيارتي ليرافقني للجامعة ..

كانت المشاعر تتزاحم في قلبه .. فهو ينتقل إلى مرحلة جديدة .. ويفكر في الكلية التي ستقبله ..

أول ما ركب سيارتي شممت رائحة عطره .. كانت رائحة نفاثة جداً .. ويبدو أنه قد أفرغ العلبة كلها ذلك اليوم على ملابسه ..

بصراحة خنقني بالرائحة .. فتحت النوافذ لأتنفس .. شعرت أن المسكين تكلف في تزويق ثيابه .. وتطييبها ..

ثم التفتُّ إليه وابتسمت وقلت :

ماااا شاااااء الله !!.. إيش هالروائح الحلوة !! أخاف عميد الكلية أول ما يشم هالرائحة الحلوة يصرخ بأعلى صوته يقول : مقبوووووول ..

لا تتصور مدى السرور الذي غطى على قلبه .. والبشر الذي طفح على وجهه ..

التفت إليَّ .. وقال بحماس : أشكرك يا أبا عبد الرحمن .. أشكرك .. والله إنه عطر غااال .. وأضعه دائماً والناس ما يلاحظونه .. ثم بدأ يشمه من طرف غترته ويقول : بالله عليك : ذوقي حلو ..؟!

آآآه .. مر على هذا الموقف أكثر من عشر سنوات .. فقد تخرج عبد المجيد من الجامعة وتعين في وظيفة منذ سنوات .. إلا أن ذلك الموقف لا يزال عالقاً في أذنه .. ربما ذكرني به مازحاً في بعض اللقاءات ..

نعم .. كن لماحاً .. التحكم بعواطف الناس وكسب محبتهم سهل جداً .. لكننا في أحيان كثيرة نغفل عن ممارسة مهارات عادية نكسبهم بها ..

ولا تعجب إن قلت إن صاحب الخلق العظيم e كان يمارس هذه المهارات .. وأحسن منها ..

في أول سنين الإسلام .. لما ضيق على المسلمين في دينهم بمكة .. هاجروا إلى المدينة ..

تركوا ديارهم وأموالهم ..

قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة مهاجراً .. وكان في مكة تاجراً ممكناً .. لكنه جاء المدينة فقيراً معدماً ..

كحل سريع للمشكلة .. آخى النبي e بين المهاجرين والأنصار ..

آخى بين عبد الرحمن بن عوف وبين سعد بن الربيع الأنصاري ..

كانت نفوسهم سليمة .. وقلوبهم صافية ..

فقال سعد لعبد الرحمن : أي أُخيَّ .. أنا أكثر أهل المدينة مالاً ..

فأقسم مالي نصفين .. فخذ نصفه وأبق لي نصفه ..

ثم خشي سعد أن عبد الرحمن يريد أن يتزوج .. ولا يجد زوجة ..

فعرض عليه أن يزوجه ..

فقال عبد الرحمن : بارك الله لك في أهلك ومالك .. دُلّني على السوق ..!!

صحيح .. عبد الرحمن ترك ماله في مكة واستولى عليه الكفار ..

لكنه كان ذا عقل راجح .. وخبرة تجارية واسعة ..

دله سعد على السوق .. فذهب فاشترى وباع فربح ..

يعني اشترى بضاعة بالآجل ثم باعها حالة .. فصار عنده رأس مال تاجر فيه ..

وكان يتقن فن البيع والشراء والمماكسة .. حتى جمع مالاً فتزوج ..

ثم جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام .. وعليه ودْعُ زعفران .. أي أثر طيب نساء ..!!

ليس غريباً فهو ( عريس ) ..

النبي e طبيب النفوس .. كان لماحاً .. يترقب الفرص لاصطياد القلوب .. أول ما رآه .. انتبه لهذا التغير .. وجعل ينظر إلى أثر الطيب ويقول لعبد الرحمن : " مهيم ؟ " .. أي ما الخبر ؟

ابتهج عبد الرحمن .. وقال : يا رسول الله .. تزوجت امرأة من الأنصار ..

عجب النبي e .. كيف استطاع أن يتزوج وهو حديث عهد بهجرة ..!!

فقال : " فما أصدقتها ؟"

فقال : وزن نواة من ذهب ..

فأراد r أن يزيد من فرحته .. فقال " أولِمْ ولو بشاة " ..

ثم دعا له النبي e .. بالبركة في ماله وتجارته ..

فحلت البركة عليه ..

قال عبد الرحمن وهو يصف كسبه وتجارته : فلقد رأيتني ولو رفعت حجراً لرجوت أن أصيب ذهباً وفضة ..

وكان e لماحاً حتى مع الضعفاء والمساكين ..

يشعرهم بقيمتهم .. يجعلهم يحسون أنه منتبه لهم .. وأنهم مهمون عنده .. وأنه يقدر لهم أعمالهم التي يقومون بها مهما كانت متواضعة ..

فإذا افتقدهم .. ذَكَرهم بالخير .. وتلمّح أعمالهم .. فتشجع الآخرون أن يفعلوا كفعلهم ..

كان في المدينة امرأة سوداء .. مؤمنة صالحة .. كانت تكنس المسجد ..

كان e يراها أحياناً .. فيعجب بحرصها ..

مرت أيام .. ففقدها رسول الله r .. فسأل عنها ؟

فقالوا : ماتت يا رسول الله ..

فقال : أفلا كنتم آذنتموني ..

فصغّروا أمرها .. وأنها مسكينة مغمورة لا تستحق أن يخبر عنها رسول الله e .. وقالوا أيضاً : ماتت بليل .. فكرهنا أن نوقظك ..

فحرص e على أن يصلي عليها .. فعملها وإن رآه الناس صغيراً فهو عند الله كبير .. ولكن كيف يصلي عليها وقد ماتت ودفنت ؟!

قال r : دلوني على قبرها ..

فمشوا معه حتى أوقفوه على قبرها .. دلوه فصلى عليها ..

ثم قال e : إن هذه القبور .. مملوءة ظلمة على أهلها .. وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم ..

فبالله عليك .. ما هو شعور من رأوه e ينتبه إلى هذا العمل الصغير من امرأة ضعيفة .. كيف سيكون حماسهم للقيام بمثل فعلها وأعظم ..

دعني أهمس في أذنك :

نحن في مجتمع لا يقدر أحياناً مثل هذه المهارات .. فانتبه !! لا يطفئْ حماسَك فريق من الثقلاء الغلاظ الذين مهما لمحت ما عندهم من لطائف .. وأثنيت عليهم بالكلمات الرقيقة الرنانة .. لم يتأثروا .. أو ردوا على تلطفك بكلمات سامجة ممجوجة .. لا طعم لها .. بل ولا لون ولا رائحة !!

ومن لطائف هؤلاء ..

أن شاباً – أعرفه – دُعي إلى وليمة كبيرة .. فيها أشخاص مهمون .. مر على السوق في طريقه .. ودخل محل عطور وأظهر أنه سيشتري فجعل الموظف يحتفي به .. ويرش عليه من أنواع العطور ما غلا ثمنه وزكا ريحه .. ليختار من بينها ما يناسبه ..

فلما امتلأت ثياب صاحبنا طيباً .. قال للبائع بلطف : أشكرك .. وإن أعجبني شيء منها فقد أعود إليك ..

ذهب سريعاً إلى الوليمة متداركاً رائحة العطر قبل أن تزول ..

جلس على العشاء بجانب صديقه خالد .. لم يلاحظ خالد الرائحة .. ولم يعلق بكلمة ..

فقال له صاحبنا باستغراب : ما تشم رائحة عطر جميلة ؟!

قال خالد : لا ..

فقال صحبنا : أكيد أنفك مسدود ..!!

فأجاب خالد فوراً : .. لو كان أنفي مسدوداً .. ما شممت رائحة عرقك ..!!

اعتراف ..

مهما بلغ الشخص من النجاح .. إلا أنه يبقى بشراً يطرب للثناء ..

من كتاب استمتع بحياتك للشيخ العريفي

التوبة






التوبة


التوبة من الذنوب بالرجوع إلي علام الغيوب و غفار الذنوب مبدأ طريق السالكين ؛ و رأس مال الفائزين ؛ و أول اقدام المريدين ؛ و مفتاح استقامة المائلين ؛ و مطلع الاصطفاء و الاجتباء للمقربين .



و منزل التوبة أول المنازل و أوسطها و آخرها ؛ فلا يفارقه العبد السالك و لا يزال فيه الي الممات و إن ارتحل إلي منزل آخر ارتحل به و استصحبه معه و نزل به ؛ فالتوبة هي بداية الطريق و نهايته و قد قال تعالي : ( و توبوا إلي الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) " النور : 31 "



و هذه الآية في سورة مدنية خاطب الله بها أهل الايمان و خيار خلقه أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم و صبرهم و هجرتهم و جهادهم ؛ ثم علق الفلاح بالتوبة و أتي بكلمة لعل إيذانا بأنكم إذا تبتم كنتم علي رجاء الفلاح ؛ فلا يرجو الفلاح إلا التائبون - جعلنا الله منهم - و قال تعالي ( و من لم يتب فأولئك هم الظالمون ) " الحجرات : 11 " فقسم العباد إلي تائب و ظالم و ليس ثم قسم ثالث ؛ و أوقع اسم الظالم علي من لم يتب ؛ و لا أظلم منه لجهله بربه و بحقه و بعيب نفسه و آفات عمله ؛ و قد قال : ( يا أيها الناس توبوا الي الله ؛ فو الله إني لأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ) وهو صلي الله عليه وسلم أعلم الخلق بالله عز و جل .



يتبع ...



ابتسامة


أحمد و عائشة: التمر و قطرات زمزم.. الجزء البعد الأخير..

أحمد و عائشة: التمر و قطرات زمزم.. الجزء البعد الأخير..
تعمدت أن أسميه الجزء البعد الأخير..
لأن القصة في الأصل..انتهت..
الا أن هناك قصص للمؤمنين يجعل الله لها بركة خاصة.. ما يسمّى "الأثر"..
تجد أنك أحيانا تقوم بعمل صغير..
و تتوسع في نواياك الى أن تصل مخيّلتك الى سقفها..
ثم تقوم بالعمل و ينتهي الأمر بالنسبة لك..
لكن الله برحمته و جوده و تكرمه على عبيده.. يجعل لعملك البسيط آثارا تفت بكثير كل توقعاتك..
و يبارك فيه فيجعله ثمرة لأعمال أخرى.. لا حدود لها..
و الله يضاعف لمن يشاء..
و أحيانا تكون المضاعفة في عالم الغيب.. فلا ترى شيئا منها.. الا يوم العرض..
و أحيانا أخرى.. يكرمك الله بمضاعفة ترى آثارها بأم عينيك.. في الدنيا..
فيثبتك بها..
و يبشّرك بحسن القبول..
و يجعلك تواصل السير على نفس الطريق..
الى أن تقابله و هو راض عنك..
...
و هذا حال المؤمنين مع ربهم..
...
لما هذه المقدمة؟
لأنني سأقص عيكم أثرا لقصة التمر و قطرات زمزم..
أثرا تأثرت له كثيرا..
أثرا ربانيا أسأل الله أن يكرم به كل من ساهم أو سيساهم في هذا العمل المبارك: اكرام الجيران.
انتبهوا لما سأقول:
في يوم من الأيام..
و كان أحمد قد انتقل من بيته الى بيت آخر..
في منطقة أخرى بعيدة..
هذه المرة ليس بسبب صاحب البيت..
بل لأن الله فتح عليه بابا من الرزق مكّنه من اشتراء بيت صغير..
له و لعائلته الصغيرة..
و أول ما دخله..
طرق الباب..
فاستغرب..
أول طارق لبابه..
من عساه يكون؟
فتح الباب..
وجد فتاة صغيرة وجهها كالملاك.. تمسك بيدها الباب.. كأنها تخاف أن تسقط (فهم بعدها أنها عرجاء و معاقة اعاقة خفيفة في رجلها).. مبتسمة بشوشة.. عمرها ربما 13 سنة أو أقل قليلا..
قالت له: " السلام عليكم عمي.. أمي تقول لكم منزل مبارك.. و أعدت لكم هذه التمرات بمناسبة شفائي من عملية قمت بها على رجلي.. و تقول لكم لا تنسونا من صالح دعواتكم.. نحن جيرانكم في نفس النهج.. بيت رقم 14"..
كاد يبكي.. تماسك نفسه و حبس دموعه و قال: "لكن الرقم 14 هذا في آخر النهج.. "
قالت الفتاة و كأنهم كقّنوها عن ظهر قلب كل الاجابات.. كأنها تسرد محفوظات المدرسة: " نعم.. لكن الرسول صلى الله عليه وسلّم أمرنا بالاحسان لأربعين جارا.. و أنتم أحد الأربعين".. نظر حوله.. فوجد ما توقع.. وجد كيسا كبيرا.. فيه كمية من التمر.. لا اله الا الله.. شكرها.. و دعا لها.. و طلب منها التعرف على والدها..
و حينهما تعرف عليه بعد مدة قصيرة.. سأل بفضول " من أين جائتكم الفكرة؟" فأخبره.. أن الفكرة وردت عن مدرّستها في المدرسة.. متدينة نوعا ما.. و تنصح تلاميذها على قدر المستطاع ببعض الأعمال.. و كان هذا العمل قد لاقى قبول العائلة.. فتعاونوا عليه..
لكن من الذي أوصل الفكرة الى المدرّسة؟ من الذي جعل العشرات من التلاميذ يقومون بهذا العمل؟
الله سبحانه.. لا اله الا الله..
هل البذرة الأولى كانت بذرته هو و عائشة أم هي صدفة؟ هو لا يؤمن بالصدف..
كما أن نقاط التشابه كثيرة.. حتى طريقة اعداد التمر.. و "المدارات" في تقديم الموضوع.. لا اله الا الله..
سبحان الله !!!
ليس هذا فقط..
بل أن فكرة الجيران على المحطة استوحيتها من عمله.. فسبحان الله كا ما سنقوم به هنا سيكون في ميزان حسناته هو عائشة.. و هما لا يعلمان من أمرنا شيئا..
فهمتم ما معنى أن تكون لأعمالنا أثرا؟ أي أن تتضاعف و تمتد و يربيها لنا الله في الدنيا ثم في الآخرة.. بعلمنا أو بدون علمنا.. فالى متى سنبقى من القانعين بالقليل؟ الى متى سنرضى بأقل الأعمال و أبسطها؟ لم لا نحدث ثورة في قلوبنا و نوايانا تجردنا من البرود الذي نصبغ به أعمالنا؟ متى ستكون لنا فنوننا في التقرب من ربنا.. و قصصنا الخاصة و العامة؟ أكاد أجزم أن كل واحد منا يستطيع أن يتغير الآن لو شاء.. يصلي ركعتين الآن فورا و يطلب من الله أن يجعله من هؤلاء.. من الصفوة.. من المحبين بصدق.. من أوليائه الصالحين.. المصطفين السابقين الأولين.. كلنا أحمد و عائشة.. و ماذلك على الله بعزيز..

عائشة و التمر و قطرت زمزم - الجزء الثاني و الأخير:

عائشة و التمر و قطرت زمزم - الجزء الثاني و الأخير:

دخلت عائشة مطبخها الصغير..
و قبل أن تعد التمر..
جلست قليلا حذو النافذة..
فكرت في أمر كاد الشيطان أن ينسيها فيه..
لقد تعودت أو عودت ربها.. بأن يكون لها وسط كل عمل "مشترك" (أي علني أو جهري) .. عمل "مستور" (أي مخفي لا يعلمه الا الله)..
و طبعا من يوم زواجها و أغلب أعمالها تحتاج فيها الى مساعدة أحمد, فأصبحت في كل عمل مع زوجها, تحاول أن تضيف شيئا الى العمل نفسه لا يتفطن له حتى زوجها.. عمل بينها و بين ربها.. لا تطمع حتى أن تتشفع به في الدنيا.. عمل تدخره ليوم يكلمها ربها بغير حجاب.. فإما أن تكون يومها من السعداء.. و يذكرها الحي القيوم بأمعالها هذه.. تبكي و هي تتشوق لسماعها من خالقها.. من ربها..
رباه.. مجرد التخيل يجعلها تبكي ساعات.. حتى أن زوجها أحيانا يلاحظ ذلك.. لكن أبدا.. لك تكشف سرها يوما لأحد.. الموت أهون عليها من أن تقابل ربها و لا تجد للقاء عدة..
هذا ان كانت من السعداء..
أما و العياذ بالله ان كانت غير ذلك.. فتحتسب أن يشفع فيها ربها يومها أعمالها الخفية.. قد لا تقوى هي أن تذكرها أمامه سبحانه.. يا ويلتاه.. أستحي.. لكن بكرمه و جوده.. سيخبرها أن أعمالها الخفية هي التي شفعت فيها لتدخل الجنة..
المهم أن هذا هو هاجسها مع كل عمل تقوم به..
و هذا كنزها الحقيقي: أعمالها الخفية..
لهذا لم يصبها يوم عجبا بأعمالها مع أحمد و مع غيره.. كل الأعمال الجهرية تعتبر نفسها دخيلة عليها.. و لا تحدثها نفسها بها اطلاقا..
هذه أعمال اطلع عليها الخلق.. و لا ندري ان قبلها الخالق.. فبما نعجب؟
لكن أعمالها بينها و بين ربها.. هذه هي ثروتها الحقيقية.. هذا عالمها الحقيقي.. هذا الذي يقيمها من نومها لمناجاة ربها.. نعم.. لم تستطع قيام الليل الا بعد أن بدأت هذه الأعمال الخفية.. أصبحت تنتظر متى ينام زوجها نومته العميقة حتى تتسلل خفية من الفراش.. و تتوضأ خلسة.. في المطبخ حتى لا يحس زوجها و لا جارتها التي تحتها.. فقد سبق أن لاحظت عليها أنها تسمع صوت الحمام آخر الليل..
و تمتطي سجادتها لتناجي ربها: رباه.. أقبلت مني ما وفقتني اليه من عمل ثم وفقتني الى كتمانه..؟
رباه.. أرضيت عني اليوم؟ ...
قبل هدايتها.. كانت كلما تقوم بعمل صالح.. تنتظر أمها رحمها الله أو صديقتها بفارغ الصبر حتى تخبرها بعملها و هي مستبشرة..
و حتى بعد الهداية كانت من حبها لزوجها.. تخبره كل يوم بكل أعمالها..
لكن من يوم أن أصبح لها أعمالها الخاصة و هي لا تجد لمن تبوح بسرها.. و لم تجد الا الذي ترجو رضاه بذلك العمل.. فأصبحت تنتظر جوف الليل بشوق و لهفة..
لتبوح لربها و تثني عليه..
...
المهم في هذا العمل بالذات (توزيع التمر).. فكرت: ماذا ستكون اضافتها؟ أين ستضع سرّها؟.. اللهم خرلي و اخترلي..
لم يطل التفكير.. فقد ألهمها الله فكرة جنّتيّة..
هناك القليل من زمزم الذي تحتفظ به من مدة.. أحظره أحمد من عمرته..
و كانت كلما قرأت القرآن.. تضع هذه القارورة زمزم أمامها (بالنّيّة) و كلّما ختمت القرآن.. دعت لكل من سيشرب من هذه القطرات بخيري الدنيا و الآخرة.. طبعا.. لا أحد يعلم بكل هذه الأمور.. و لا حتى زوجها..
و كلما مرض أحد في العائلة أو غيره.. الا و أعطته قطرات من ذاك الماء مخلوطا بالعسل.. و سبحان الله كان الناس يشفون بشرب ذاك العسل.. فيعتقدون أن العسل هو سبب الشفاء.. و كانت توافقهم على هذا.. بل تذكرهم بنصيحة الرسول لنا صلى الله عليه و سلم بالتداوي بالعسل.. و أن الله سبحانه ذكره في القرآن..
المهم أنها ترى في قطرات الزمزم التي لديها.. أنهار الدموغ التي ذرفتها و هي تقرأ القرآن و تبكي و القارورة بجانبها.. كأن الله سبحانه وضع كل دعواتها و سجداتها و دمعاتها في تلك القطرات المباركة..
فكانت من أغلى ما عندها..
فكرت اليوم.. أن تضع القليل من تلك القطرات في كل تمرة.. تخلطها بالقوتة (اللبن المجمد) و تضعها في التمر..
ثم فكرت في أن تحسن أكثر من هذا.. تريد أن تتعب.. سبحان الله أكثر ما يسرها هو أن تتعب حتى تعرق في سبيل الله.. أما هذا العمل و بهذه الطريقة فهو سهل..
ألهما الله فكرة أخرى.. أخذت القارورة و دخلت مصلاها و بدأت تقرأ ما تيسر لها.. قرأت البقرة و دعت للجيران بحفظهم من الشيطان.. قرأت الواقعة و دعت الله أن يحفظهم من الفاقة و الفقر و أن يقضي الله ديونهم.. قرأت المنجيات السبع.. قرأت الفاتحة بدون حساب.. قرأت كل ما تعرف من سور لها فضل معين و تدعو بين السورة و الأخرى ما تيسر للجيران..
الى أن عاد أحمد..
فوضعت قطرات زمزم على التمر.. و القوتة..
طبعا بعد ان اختارت أجمل التمرات..
و زينتها فأحسنت زينتها..
و وضعت كل سبعة في كيس بلاستيك جميل..
و أعدت عشرين كيسا (أحمد طلب عشرة.. لكن زادت في الكمية (بالكشي ربي يهديه و يكمل يفرقهم)..
خرج أحمد مباشرة للتوزيع..
طرق أول باب.. خرجت له امرأة سمينة و كبيرة.. و رغم شيبتها الا أنها لم تغطي شعرها بل على العكس..
غض بصره و مدّ التمر و ربما منشؤم نظرته لها نسى ما كان سيقوله.. فقدم التمر و سكت.. فقالت له: "من أنت؟ ماذا تريد؟" قال "أنا جاركم الي تحتكم أحمد كذا.. جبتلكم تمر من عند المرا.." فصرخت في وجهه: " إيييي... خدوجة قبلكم سحرتلي الكبيرة.. كملو انتوما اسحرولي الصغيرة.. باهي ياسر.." فصدم مرة أخرى.. ثم ردت الباب على وجهه.. من الصدمة بقي متسمرا في مكانه.. و الشيطان يحاول أن يقنعه بالعودة الى بيته (برّا روح.. هالمشاكل الّي تجيب فيها لروحك.. تمزبيل و عرك.. طيّش عليك..) لكن سرعان ما أعيد فتح الباب.. ليخرج له شاب مأدب.. قال له" سامحني.. أمّي مسكينة مريضة بأعصابها.. و هي تمر بفترة صعبة.. متأسف جدا لما حصل.. تفضل.." هدأ أحمد و تمالك نفسه و أخبره بالموضوع.. فقال الشاب – و كان يبدو عيه مسحة من التدين " جزاكم الله خيرا.. سبع تمرات ما شاء الله.. على السنّة..الخ" و بعد دقيقتين تم اللقاء باتفاق على أن يلتقيا مرة أخرى.. و ختم الشاب " أحبك في اله" فاستبشر أحمد و قال "أحبك الذي أحببتني فيه" و أحس أحمد بأنه أخذ جرعة ايمانية تكفيه ليوزع ألف كيس..
و فعلا.. من جار الى جال.. وجد أن الأمر سهل بل ممتع.. كم من وجوه خير اكتشفها كان سيحرم منها.. و كم من جار له في ظائقة أو مرض أو مشكلة.. و هو "مولا الدار موش هنا" أي "ولا على بالو"..
في أقل من ربع ساعة أتم العمارة.. لم يجد بعظهم فترك لهم التمر أمام الباب و كتب كلمة على الكارت فيزيت.. (علّق الكيس على الباب)..
ثم مر بجاره ذاك.. الذي عفا عنه.. لم يفتح أحد.. فلما دق على الجار المقابل.. أخبروه أن ذاك الرجل مات في بيته..و أن هذا المنزل كان مخصصه للمتعة الحرام.. و أن الله هداه بعد ذلك و توفاه في بيته بين زوجته و أولاده.... و أن الله رزقه حسن الخاتمة اذ مات و هو يقرأ القرآن..يوم جمعة بعد صلاة الجمعه !! سبحان الله!!! ما أرحمك يا رب.. و في نفس الوقت تألم أحمد.. فكم كان مقصرا في حق الجيرة.. هذا يمرض و الآخر يموت هو لا يدري شيئا.. رحماك يا رب.. لكن فرحته بحسن خاتمة الجار غلبت ألمه.. قد يشفعه الله فيهما.. خاصة أنهما سامحاه من يومها.. رحمه الله..
بعد وقت قصير عاد الى البيت..
استقبلته زوجته "هاه.. بشّر.." قال: "أتممت العشرين و الحمد لله" فقالت "أتريد أن نتم الأربعين؟" قال "يا ريت.. كم يلزمك وقت للإعداد؟" ابتسمت و دخلت للمطبخ ثم عادت اليه بالعشرين كيس و هي تقول مبتسمة : " كنت أعلم أن زوجي لن يكتفي بالفتات.. و أنه لن يطمئن الا اذا اكرم الأربعين جار.. دمت لنا.."
خرج أحمد و لم يعمل حسابات كثيرة.. في ربع ساعة أتم العشرين بين نظرات الاعجاب و الاستغراب و الحب..
ربما لم يتوقع أن تكون التجربة بهذا العمق.. ساعة واحدة وفقه الله فيها ليتبع أمر حبيبه صلى الله عليه و سلم باكرام الأربعين جار.. بل أكثر من هذا.. عاد المرضى و عزى أهل الموتى و واسى المصابين بهموم الدنيا و وفقه الله الى أربعة اخوة في الله.. اتفق معهم على برامج خير مختلفة.. أبسطها أن يتزاوروا في الله و يتجالسوا في الله.. الحمد لله أولا و أخيرا..
...
هل هي بركة قطرات زمزم؟ هل هي بركة النية الصادقة و العزم و الجدية في المتثال لأوامر الله؟ هل هي بركة العمل الخالص لله؟ الله أعلم.. لكن من تقرب منه شبرا.. تقرب الله سبحانه منه ذراعا.. و من أتاه مشيا.. أتاه هرولة.. لا اله الا الله..

المتابعون

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting