من نافذتي
تحتُ نافذتي وأخذتُ أرمقُ ببصري إلى أبعد مكان في الوجود، حيث استوقفني بصري أمام رجلٍ أكلتْ منه السنون، فباتَ شبحًا يجول في المكان، ويحمل في طيَّاته أحزانًا لم تستطعِ الجبال حَملها، وحوله مجموعة من الصِّبْيَة يبكون ويَصْرُخون ألَمًا من شدة الجوع والعطش، أخَذَ ينظر أبوهم لهم وهو مكتوف الأيدي، يبكي ندمًا على ما أضاعه من سنوات العمر؛ من طَيْشٍ واستهتار، دون أن يحسبَ لهذا اليوم حسابًا، ويتمنَّى لو عَجَلة الزمان تعود إلى الوراء، فيلملم بكَفَّيه ما ضاعَ.
تحتُ نافذتي وأخذتُ أرمقُ ببصري إلى أبعد مكان في الوجود، حيث استوقفني بصري أمام رجلٍ أكلتْ منه السنون، فباتَ شبحًا يجول في المكان، ويحمل في طيَّاته أحزانًا لم تستطعِ الجبال حَملها، وحوله مجموعة من الصِّبْيَة يبكون ويَصْرُخون ألَمًا من شدة الجوع والعطش، أخَذَ ينظر أبوهم لهم وهو مكتوف الأيدي، يبكي ندمًا على ما أضاعه من سنوات العمر؛ من طَيْشٍ واستهتار، دون أن يحسبَ لهذا اليوم حسابًا، ويتمنَّى لو عَجَلة الزمان تعود إلى الوراء، فيلملم بكَفَّيه ما ضاعَ.
لم يتصوَّرْ يومًا بعد أنْ كان رجلاً مَهيبًا عظيمًا أمام الناس، بعد أن تنقَّلَ من مكانٍ إلى مكان، وصَرَف مالَه على أَمَل كما يُقال: "اصْرِفْ ما في الجيب، يأتِك ما في الغيب"،حتى عُرِف عنه بأنه صاحب أكبر الولائم؛ حيث لا يشتهي أحدٌ نوعًا من الطعام إلا وجَدَه في سُفْرَة هذا الرجل، وأبناؤه يرتدون أفضل الماركات العالميَّة، ويتحلون بأفضل الْحُلِي، ويدرسون في أفضل الجامعات والمدارس، ويقضون الإجازات في أرْقَى الدول الأوروبيَّة، ويمتلكون السيارات الفاخرة، لا يبخل عليهم بشيءٍ؛ لأنه خُلِق من أجْلهم ولهم، إلى أن حلَّتْ سحابة بظلامٍ دامسٍ، غَشِي كلَّ أهل البيت، وهو التقاعُد؛ حيث إن الراتبَ المميَّز سُحِب منه البساط، وأصبح في متناوَل الأسرة مالٌ زهيد لا يُطاق، والبنوك تُطَالب الأبِ بسَداد الأقساط، وفي ظلِّ الأعباء والعجز والمال القليل، طُرِد الأبناء من المدارس والجامعات، وتحوَّلتِ السُّفْرَة العامرة إلى خُبزٍ ناشفٍ بلا ماءٍ، وفي ظلِّ الأحزان والأوجاع كانتْ صَرْخة الابن الأكبر قاصمة قصمتْ ظَهْر البعير؛ إذ رَمَى والديه بأنَّهم سِرُّ العذاب والبلاء الذي أصابهم.
أين مستقبل فلذات أكبادهم الذي بنوه؟ أين وعودُهم لهم؟ أين حُسْنُ التخطيط والتدبير؟ أين وأين؟
ها هو الشاب الذي كان مثالاً لجميع أُسْرته في جِدِّه واجتهاده؛ حيث كان ينتظره مستقبلٌ واعد بعد تخرُّجه من الجامعة، حمَلَ على عاتقه عبءَ الأسرة، فخرج باحثًا عن عمل؛ ليسدَّ جوعَ إخوته، ويعمل على إكمال تعليمهم، وليخلِّص أُخْتَه من عارٍ لَحِق بها من غير ذنبٍ، والذي يَكْمُن في معايرة أهْل خطيبها بعدم سَداد تكاليف عُرْسها، وتُصبح بذلك خادمة لأُسْرة زوجها دون كبرياء، ويُسْجَن الأبُ لعدم استطاعته دَفْعَ الأقساط التي عليه.
وفي ظلِّ هذه المأساة، أقفلتُ نافذتي على أمل عندما أفتحُها للمرة الثانية أقفُ أمام منظرٍ يبثُّ الفرح والسرورَ لا الأوجاع والأحزان، هذه قصة من قَصص الزمان؛ حيث غابَ الوعي والتدبير في عالَم الرفاهية والتخطيط الجيِّد ليومٍ لا ينفع فيه الندم.
0 تعليقات:
إرسال تعليق