محمّد الصّغير 4

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله وحده والصّلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده


قصّة من ذاكرة الأندلس

محمّد الصّغير

الحلقة 4






قال: نعم يا بني. هذا هو السر الذي سأفضي به إليك.
نعم نحن. نحن أصحاب هذه البلاد، نحن بنينا هذه القصور، التي كانت لنا فصارت لعدونا، نحن رفعنا هذه المآذن التي كان يرن فيها صوت المؤذن، فصار يقرع فيها الناقوس، نحن أنشأنا هذه المساجد، التي كان يقوم فيها المسلمون صفاً بين يدي الله، وأمامهم الأئمة، يتلون في المحاريب كلام الله، فصارت كنائس يقوم فيها القسوس والرهبان، يرتلون فيها الإنجيل.
نعم يا بني .. نحن العرب المسلمين، لنا في كل بقعة من بقاع إسبانيا أثر، وتحت كل شبر منها رفات جد من أجدادنا، أو شهيد من شهدائنا. نعم .. نحن بنينا هذه المدن، نحن أنشأنا هذه الجسور، نحن مهدنا هذه الطرق، نحن شققنا هذه الترع، نحن زرعنا هذه الأشجار.
ولكن منذ أربعين سنة.. أسامع أنت؟ منذ أربعين سنة خدع الملك البائس أبو عبد الله الصغير، آخر ملوكنا في هذه الديار، بوعود الإسبان وعهودهم، فسلمهم مفاتيح غرناطة، وأباحهم حمى أمته، ومدافن أجداده، وأخذ طريقه إلى بر المغرب، ليموت هناك وحيداً فريداً، شريداً طريداً وكانوا قد تعهدوا لنا بالحرية والعدل والاستقلال. فلما ملكوا خانوا عهودهم كلها، فأنشؤوا ديوان التفتيش، أفدخلنا في النصرانية قسراً، وأجبرنا على ترك لغتنا إجباراً، وأخذ منا أولادنا، لينشئهم، على النصرانية، فذلك سر ما ترى من إستخفائنا بالعبادة، وحزننا على ما نرى من أمتهان ديننا، وتكفير أولادنا.
أربعون سنة يا بني، ونحن صابرون على هذا العذاب، الذي لا تحمله جلاميد الصخر، ننتظر فرج الله، لا نيأس لأن اليأس محرم في ديننا، دين القوة والصبر والجهاد.
هذا هو السر يا بني فاكتمه، واعلم أن حياة أبيك معلقة بشفتيك، ولست والله أخشى الموت أو أكره لقاء الله، ولكني أحب أن أبقى حياً، حتى أعلمك لغتك ودينك أنقذك من ظلام الكفر إلى نور الإيمان، فقم الآن إلى فراشك يا بني !


يتبع بإذن الله...

2 تعليقات:

hanen.hd يقول...

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أخي الفاضل
أعلم أن إسبانيا حاليا، الأندلس سابقا كانت من أروع عواصم الإسلام و أن دماءهم و دماءنا نحن التونسيون قد اختلطت، و لكني أبدا لم أفكر و لم يخطر ببالي أنها أرض من أراضي الإسلام المغتصبة، هو ليس جهلا بالموضوع و لكني لم أكن أنظر إلى الموضوع من هذه الزاوية..
شعرت أنها رسالة من ربي أن أفيقي و غيري زاوية نظرك إلى الموضوع.
هي أرض الإسلام، الأندلس..
صدقا و أنا أقرأ قصة محمد الصغير أحسست بألم شديد و كأني أقرأ قصة فلسطيني، يعني الأرضين مغتصبتين فلماذا لم أكن أنظر إلى الأندلس هكذا؟
آلمني هذا الاضطهاد و القهر، و إن كنت أكره شيئا في عمري كله فلم و لا و لن أكره شيئا أكثر من القهر.
أكمل أخي القصة أكمل..
أكمل، عسانا نفيق في يوم من الأيام، عسانا نبعد الغيوم الحالكة السواد لتبزغ شمس الإسلام من جديد، شمس براقة ساطعة في كبد السماء، تحرق رؤوس الكفرة أعداء الدين..
...

توبة نصوحة يقول...

أختي الفاضلة
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
هذه القصّة حقيقيّة... حقيقيّة... منقولة من الواقع
ولقد بحثت عنها كثيرا حتّى وجدتها وأحببت أن أنقلها لأنّها أثّرت فيّ كثيرا وفتحت عينيّ على أشياء لم أكن أتصوّرها لتحدث للمسلمين...
الأندلس جرح عميق ...حضارة تفتخر بها اسبانيا اليوم قبل المسلمين.. لقد كانت قبلة العلم ومنارة الأروبيين..
كانّي أرى طارق ابن زياد يأمر بحرق سفن المسلمين قائلا : البحر من ورائكم والعدوّ من أمامكم وليس لكم والله إلاّ الصّبر أو الشّهادة !!!!
ثمّ بقيت ثمانية قرون في حكم المسلمين وعرفت أبشع أنواع الانحطاط الأخلاقيّ في أواخرها فكانت سنّة الله...صارت عبرة لمن يعتبر..
إلاّ أنّ لهذه القصّة أبعادا أخرى عميقة أريدكم أن تكتشفوها ولا تفوّتوها...فتمادوا في القراءة

إرسال تعليق

المتابعون

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting