بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله وحده والصّلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده
قصّة من ذاكرة الأندلس
محمّد الصّغير
الحلقة 6 والأخيرة
قصّة من ذاكرة الأندلس
محمّد الصّغير
الحلقة 6 والأخيرة
وأشتدت بعد ذلك قسوة ديوان التفتيش، وزاد في تنكيله بالبقية الباقية من العرب، فلم يكن يمضي يوم لا نرى فيه عشرين أو ثلاثين مصلوباً، أو محرقاً بالنار حياً، ولا يمضي يوم لا نسمع فيه بالمئات، يعذبون أشد العذاب وأفظعه، فتقلع أظافرهم ، وهم يرون ذلك بأعينهم، ويسقون الماء حتى تنقطع أنفاسهم، وتكوى أرجهلم وجنوبهم بالنار، وتقطع أصابعهم وتشوى وتوضع في أفواههم، ويجلدون حتى يتناثر لحمهم.
واستمر ذلك مدة طويلة، فقال لي أبي ذات يوم: إني أحس يا بني كأن أجلي قد دنا وأني لأهوى الشهادة على أيدي هؤلاء، لعل الله يرزقني الجنة، فأفوز بها فوزاً عظيماً، ولم يبق لي مأرب في الدنيا بعد أن أخرجتك من ظلمة الكفر، وحملتك الأمانة الكبرى، التي كدت أهوي تحت أثقالها، فإذا أصابني أمر فأطع عمك هذا ولا تخالفه في شيء.
ومرّت على ذلك أيام، وكانت ليلة سوداء من ليالي السِّرار، وإذا بعمي هذا يدعوني ويأمرني أن أذهب معه، فقد يسر الله لنا سبيل الفرار إلى عدوة المغرب بلد المسلمين فأقول له : أبي وأمي.؟
فيعنف عليّ ويشدُّني من يدي ويقول لي: ألم يأمرك أبوك بطاعتي؟
فأمضي معه صاغراً كارهاً، حتى إذا ابتعدنا عن المدينة وشملنا الظلام، قال لي:
اصبر يا بني.. فقد كتب الله لوالديك المؤمنين السعادة على يد ديوان التفتيش.
ويخلص الغلام إلى بر المغرب ويكون منه العالم المصنف سيدي محمد بن عبد الرفيع الأندلسي وينفع الله به وبتصانيفه
المصادر:
ذكر هذه القصة الواقعية الأستاذ المرحوم علي الطنطاوي في كتابه قصص من التاريخ
ذكر هذه القصة الواقعية الأستاذ المرحوم علي الطنطاوي في كتابه قصص من التاريخ
انتهت بحمد الله
1 تعليقات:
بالرّغم من الألم الذي تحمله قصّة محمّد الصّغير إلاّ أنّها انتهت في طيّاتها بأمل كبير عظيم جميل وهو أمل مشرق لهذه الأمّة.
انظري كيف كان جزاء الله لصبر الأب مدّة أربعين سنة في بلاء هو من أشدّ البلاء... والله إنّه يذكّرنا بما فعل فرعون ببني إسرائيل وأكثر وقال في ذلك الحقّ تعالى :
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (49البقرة)
الله استعظم هذا البلاء ! وأيّ بلاء ... قارنوه بما نعيش فيه الآن وستشعرون أنّكم في جنّة... ومع ذلك فإنّ الصّبر والثّقة والإيمان بالله
تحسم هذا الأمر : فيكون الفرج ويكون الخير ويعمّ فتحسّ بالمكافأة العظيمة في قوله تعالى
وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (القصص 5)
وهذا ما حدث مع محمّد الصّغير بفضل جهاد أبيه وصبره واحتسابه !
لقد أصبح عالما من علماء المغرب ونفع الله به وبتصنيفاته...
وبالمناسبة أحبّ أن أذكّركم أعزّائي أنّ الله منّ على المسلمين في بلاد المغرب بإئمّة وعلماء أجلاّء من أبناء الأندلسيين الذين استضعفوا وكان لهم فضل كبير من الله على بلادنا في مختلف المجالات العلميّة والحضاريّة وحتّى الفلاحيّة...!
تصوّروا إلى الآن بركة أهل الأندلس نجني ثمارها في بلادنا !
سأخبركم بلطيفة : بنى الأندلوسيون قرى بتونس مثل راس الجبل-العالية-رفراف-غار الملح وهي قرى فلاحيّة أصلا وفي هذه القرى نجني كلّ سنة إلى الآن نوعا من العنب لا يوجد في حلاوته مثيل في كلّ البلاد التّونسيّة يرجع إلى مشاتل أتى بها الأندلسيّون !
ثمّ من التونسيين لا يسمع بالإمام الجليل محرز بن خلف "سيدي محرز" رحمه الله شيخ الإسلام في عصره و"أبو القاسم الجليزي"
وغيرهم كثير ولا أستحضر...وكذلك من أمثالهم في بلاد المغرب العربيّ الأخرى من علماء وفقهاء المذهب المالكي...
هذه دروس وعبر للآباء أن يستثمروا أبناءهم لخدمة هذا الدّين رغم الفتن المحدّقة...
ختاما تمعّنوا في قول الحقّ سبحانه وتعالى مبشّرا :
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ (الأعراف 137)
إرسال تعليق