) الحلقة الأولي ( استشعار النعيم الأخروي )



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على رسول الله الأمين

وعلى آله وصحبه والتابعين

..

أحبابي الكرام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أما بعد

..

اليوم – بإذن الله - ستكون البداية

بداية سلسلة الدار الآخرة

الدار الآخرة التي تبدأ بالموت .. ولا تنتهي أبدا

..

لا أريد أن أطيل في المقدمة

..

لكن أريد أن أخبركم

بأن عناصر الموضوع ليست مكتملة ولا مرتبة في ذهني

لكني سأبدأ متوكلا على الله ومستعينا به سبحانه أولا

ثم مستعينا بدعوات المحبين


دعواتهم لي بالتوفيق والفتح والإخلاص والقبول

..

وسبب اختياري هذا التوقيت لعرض هذا الموضوع

هو أننا قادمون على الحج

والحج صورة مصغرة لليوم الآخر

وإن شئتم فأقرؤوا بما بدأ الله به سورة الحج

تعلمون العلاقة الوثيقة بين الحج ويوم القيامة

قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (الحج : 1 ).

..

أحبابي في الله

..

اليوم الآخر

هكذا .. أجمله الله في كلمتين فقط

اليوم الآخر

في الآيات والأحاديث

هي هي الجملة نفسها

اليوم الآخر

كأن الحياة الأخرى هي يوم واحد مهما أمتدت

لأن الأيام تتغير بما يحدث في الكون من تغيرات

أما اليوم الآخر

فهو يوم ثابت خالد خلودا أبديا مستمر غير منقطع

لا يتداوله الليل ولا النهار والصيف و لا الشتاء

من فاز فيه فهو فائز على الدوام

ومن خسر فيه – والعياذ بالله - فهو خاسر على الدوام

..

لذلك نرى أن ألف سنة من أيام الدنيا

أو مليون سنة . أو حتى مليارات السنين من أيام الدنيا

لا تساوى شيئا أمام يوم واحد .. هو اليوم الآخر

..

وطعم حياة المؤمنين هو بإيمانهم بهذا اليوم

إي والله

لولا هذا اليوم لفقد المؤمنون بالله طعم الحياة

إيمانهم بهذا اليوم يجعلونهم يرغبون ويرهبون

تجدهم في ظلمات الليالي ساجدون راكعون يحذرون الآخرة ويرجون رحمة ربهم

تجدهم يذكرون الله ويذرفون الدموع شوقا إلى محبوبهم

فقد وعدهم ربهم بأنهم إن دخلوا الجنة فإنهم سيرون ربهم

تجدهم يتذوق في قمة البلاء والمصيبة طعم النشوة واللذة والأنس

لأنهم عرفوا بأنهم ما خسروا شيئا

بل إن ربهم استزادهم من فضله بغير حساب

..

والله إن الإيمان باليوم الآخر يجعل للحياة طعما وأي طعم

اسألوا المظلومين

اسألوا الفقراء البائسين

اسألوا العباد الركع السجود

اسألوا الذين يتصبب العرق منهم في خدمة المسلمين

اسألوا الذين ينفقون ذات اليمين وذات الشمال من رزق الله

اسألوا الذين يسهرون الليالي على المرضى والأرامل والأيتام

اسألوا الذين يجودون بأرواحهم في سبيل الله

اسألوا الذين يتلون كلام الله أناء الليل وآناء النهار

اسألوهم واسألوهم عن حالهم وعما في قلوبهم من النعيم والسعادة

واسألوهم لم أنتم سعداء؟!

سيقولون ،، لأنا إلى ربنا راجعون ، فنحن نرغب فيه ونخشاه ونتودد إليه ونصبر على بلائه ونبيت الليالي ونحن نتخيل ونتمنى يوم لقائه ، ويوم أن يحاضرنا محاضرة ما بيننا وبينه ترجمان

.. ..

المعنى أكبر من أن أتحمله لذا سأتوقف ..

..

أحبابي الكرام

أول عنصر لموضوعنا هو محاولة لاستشعار النعيم الأخروي ونحن أحياء

..

لتعلموا أن النعيم الدنيوي لا يشبه أبدا النعيم الأخروي

ولتعلموا أيضا أن العذاب والألم الدنيوي لا يشبه أبدا العذاب والألم والخزي الأخروي

..

وأول النعيم الدنيوي يبدأ من ابتداء الاحتضار بل ربما قبله بدقائق أو ساعات

ومثله ، أول العذاب الأخروي يبدأ من قبيل الاحتضار عند الموت. - أعاذنا الله من العذاب –

..

فكيف لنا أن نتذوق هذا النعيم ،

كيف لنا أن نتذوق هذا النعيم ونحن أحياء

(( معادلة صعبة )) أليس كذلك؟

لكن .. إن كنا لن نستطيع أن نتذوقه

فإنا نستطيع أن نتخيله .. وخيال حقيقي يلامس القلوب

لا مجرد خيال وهمي

..

ستسألون وكيف السبيل إلى ذلك؟

الجواب

..

قد علمتم أن الروح أعلى قيمة من الجسد

وأن الجسد مجرد قالب للروح – لا قيمة كبيرة له في ذاته –

لذلك نراه يفنى ويذوب في التراب وتنهش فيه الديدان

نرى الجسد يفنى وربما صاحبه من أهل النعيم والرضوان

فعرفنا أن الجسد لا قيمة له عليا

إنما القيمة والمكانة الحقيقية والعليا للروح

..

وحتى تعرفوا الفرق أكثر بين مقام الجسد ومقام الروح

الجسد أصله من تراب .. ثم من نطفة (( ماء مهين )) ونهايته فناء ونتن وجيفة.

..

الروح .. أصل الروح هو من الله الذي نفخ في آدم - عليه السلام - من روحه

(((فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (صـ : 72 ).

ثم هو من أسرار الغيب الذي لا يعلمه إلا الله

ثم هو بعد الموت يخترق السمات حتى يصل إلى عليين

فشتان شتان بين طين وتراب وماء مهين وجيفة

وبين روح علوية من لدن رب عظيم

..

إذا عرفنا ذلك

تعالوا ننظر .. ماذا يصنع الله ببعض أجساد الموتى؟

لنستشف من هذا .. ماذا يمكن أن يكون الله قد صنع بروحه؟

إذا كان هذا ما يعطيه لبعض عبيده المؤمنين في ظاهر أجسادهم – التي عرفنا قيمتها –

فماذا يمكن أن يكون عطاؤه من لذة وحبور وسرور ونعيم ومكانة ودرجة لروحه.

إن أي تخيل يمكن أن تصل إليه فهو أبعد من ذلك

ولكن معنا – بإذن الله – ستقترب أكثر وأكثر .. وستستشعر أعمق وأعمق

..

فمن خلال تعرفنا ووقوفنا على أحوال أجساد الموتى والمحتضرين بل والمقبورين

سنعرف .. ماذا يمكن أن يكون قد نال من عند الله

وأي سرور وأنس هو فيه الآن ..

هذه هي خطوتنا الأولى :

سنعرف من خلال الجسد الظاهر الفاني ذات القيمة الدنيا

مدى النعيم الذي يحس به الإنسان من خلال الروح الباقية الطاهرة ذات القيمة العليا

..

مرحلتنا الأولى : هي تخيل واستشعار وتذوق نعيم المؤمن وسعادته وما فيه من سرور وحبور وجزاء من رب كريم

تخيل واستشعار كل هذا بالنظر إلى صنيع الله وعطائه وفعله بأجساد بعض المؤمنين

فإذا كان هذا ما أعطي الجسد الفاني .. فأي شيء يمكن أن يكون قد أعطي للروح التي تصعد إلى أعلى عليين .

..

المرحلة الثانية :

أن نعرف ونتخيل ونستشعر النعيم الأخروي ونعيم الجنة

بمعرفتنا واستشعار وتخيلنا لنعيم الروح والجسد في الدنيا وعند الموت وفي البرزخ

..

لأن أصل عطاء الله ونعيمه هي الجنة ( سلعة الرحمن الغالية )

وما نعطى من نعيم في الدنيا أو عند الموت أو في البرزخ هذا مزيد تكرم من الله ورحمة

وإلا فالأصل

أن الله خلقنا في الدنيا لنعمل

ثم جعل يوم القيامة للحساب .. ففريق في الجنة وهم أهل ثوابه وجنته برحمته

وفريق في النار – والعياذ بالله – هم أهل عقابه.

..

ولذلك نرى كثيرا من عبيد الله يعيشون في فقر وبؤس وقهر وظلم

لكن هذا لم يكن مقياسا لنعيم الجنة أبدا

لأن أصل محل الثواب هو الجنة ، وهي الدار التي أعدها الله ليعوض بها عبيده عن كل شيء ويعطيهم الثواب أضعافا مضاعفة بلا حساب ولا عد ولا حصر

ولذلك نجد في الحديث الشريف أن الله يأتي يوم القيامة بأبأس أهل الدنيا من أهل الجنة

فيغمسه غمسة في الجنة .. غمسة فقط

فيسأله الرحيم الكريم .. هل مر بك بؤس قط؟ .. هل رأيت بؤسا قط؟ .

فيقول العبد : لا يا رب ما مر بي بؤس قط؟ .. ما ذقت بؤسا قط؟

ويأتي بأنعم أهل الدنيا من أهل النار

فيغمسه غمسة في النار .. غمسة فقط

فيقول له الملك جل جلاله

هل رأيت نعيما قط؟ .. هل مر بك نعيم قط؟

فيقول العبد :

لا يا رب ، ما مر بي نعيم قط ، ما رأيت نعيما قط.

..

تبين لنا من كل ما سبق .. أن محل نعيم الله هي الجنة دار السلام

ومحل عذاب الله هي النار – أعاذنا الله منها –

إذا فهمنا كل هذا

أرجع لأقول لكم

أن المرحلة الثانية ستكون

أن نتخيل ونتعمق في الإحساس أكثر وأكثر ونستشعر مدى ما أعده الله لمن النعيم لعباده في الجنة.

بتذوقنا واستشعارنا وتخيلنا لنعيم الدنيا والموت والبرزخ

..

وقد روي عن أحد من السلف العباد الزهاد – وقد وصل إلى حالة من الاستشعار والإحساس بالسعادة والأنس –

قال : يمر علي لحظات ، أقول فيها ، لو أن أهل الجنة يتذوقون ما أتذوقه إذاً هم في نعيم كبير ..

تخيلوا مقالته هذه .. أحس بنشوة وأنس وسعادة في الدنيا لقيامه الليل والتضرع بين يدي الملك جل جلاله

فوصل بخياله إلى الجنة

وقال .. لو أن نعيم أهل الجنة بمثل ما أحسه من نعيم . إذاً هم في نعيم .. وأي نعيم

الله أكبر .. الله اكبر

.. .. ..

..

طيب

هذا هو بعض ما فتحه الله علي .. ووالله لم أخطط له ولم أرتبه في ذهني

إنما أسأل الله أن يفتح علي وعليكم

..

فلنبدأ المرحلة الأولى ..

وهي استشعار نعيم الروح .. بالنظر إلى حال الأجساد

وهذه تعرف عن طريق

رؤية لمصرع بعض الموتى وأحوالهم في القبور

وقصص عن حسن الخاتمة

..

وسأعرض لكم كلما تيسر قصة أو أكثر عن أحوال الموتى بعد موتهم ودفنهم

وقصص عن حس الخاتمة

وبعد كل قصة . أعلق بلام من عندي يصب في نفس المعنى .. ألا وهو . إذا كان هذا مقام الجسد الفاني عند الله

فماذا يكون مقام الروح الطاهرة عند الله وماذا يمكن أن يكون قد أعطاه الله من نعيم ومكانة ودرجة .

..

طبعا لا يخفى عليكم أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم

وهذا دليل على كمال وعلو ورفعة منزلتهم عند الله تعالى

..

إنما سنذكر من قصص الصحابة ومن بعدهم إلى عصرنا هذا

..

وكم من مرة كشف قبر صحابي

فوجد سليما ثابتا طريا تفوح منه الروائح الزكية

كأنما مات لتوه ودفن لتوه

فهذا مقام الصحابة عند الله تعالى – رضوان الله عليهم أجمعين –

.. حتى أجسادهم الفانية حفظها الله تعالى لهم وأكرمها لهم

فبقيت كريمة طيبة عبقة عبر السنين والقرون

لم تقترب منها الديدان ولم تفنى في التراب

فلا إله إلا الله

..

وقد ثبت حفظ الأجساد وبقائها طيبة عطرة عبر السنين والقرون عن كثير من التابعين وغيرهم إلى يومنا هذا

وإلى الآن .. فإنه لضيق المكان في مقابر مكة والمدينة

فإن القبور تفتح بعد مدة معينة ، تكون الجثة الأولى قد فنيت وذابت في التراب

فيدفنون مكانه ميتا آخر ،، وهكذا على الدوام

وكم من مرة فتحوا قبرا فوجودا الميت كما هو لم تأكله الأرض ولم يتغير

فهذا القبر يضعون عليه علامة بحيث لا يفتح بعد ذلك أبدا .

فسبحان من أكرم بعض عباده

فارتقى بأرواحهم إلى أعلى جنان الخلد .. وحفظ لهم أجسادهم وأبقاها طيبة مطيبة

فلا إله إلا الله

..

تخيلوا .. تمر السنين والسنين .. بل مئات السنين

والجسد محفوظ .. والجسد طري ، والرائحة الطيبة تفوح

والديدان لم تقترب

فما ظنكم .. في أي نعيم صاحب الجسد يا ترى ؟

في أي لذة وأنس هو يا ترى؟

في أي مكانة ومنزلة هو يا ترى؟

فلا إله إلا الله .. يتوقف العقل عن التفكير .. ويعجز عن التخيل

..

مع العلم .. بأن فناء الجسد وذوبانه في التراب ..ز ليس علامة على سوء الحال .. وسوء المقام

بل جرت سنة الله أن تأكل الأرض الأجساد .. ولا تبقى إلى الجماجم والعظام

سواء المؤمنين أو غيرهم

..

لكن أحيانا .. رحمة من الله لبعض عبيده

أو كرامة له ..

فإنه يكرمه حتى في جسده .. لشدة كرامته على الله

أسأل الله أن أكون وإياكم من هؤلاء الصفوة

آمين

..

فإذا علمتم يا أحبابي .. وثبت لديكم

ما صنع الله ببعض أجساد الموتى

وكيف طيبها لهم وحفظها عليهم وأكرمها لهم

فلكم أن تتخيلوا مدى نعيم أصحابها ..

ولكم أن تتخيلوا مدى نعيم الروح

..

كان العلاء ابن الحضرمي من أجلة التابعين – أو الصحابة –

وكان في الجهاد ،، فلما مات رضي الله عنه

دفنوه في عمق الصحراء ، ثم مضوا

وإذ بهم بأحد الأعراب ينادي عليهم .. ويقول لهم بأن هذه الصحراء تتقلب

وأن الكثبان الرملية تتحرك

والقبر سنكشف بعد قليل عن صاحبكم . فانقلوه إلى أرض ثابتة غير هذه

..

فنبشوا عليه قبره

فلما وصوا إليه .. لم يجدوه .. ووجدوا نورا على مدى البصر

فقالوا .. رحمه الله .. فقد نال فوق ما يرجوا

..

يا ترى أين ذهب جسده؟ .. وما هذا النور؟

يا لكرامتك على الله يا علاء

حفظ جسدك .. ونقله إلى مكان لا يعلمه إلا الله

وقد ثبت لأصحابك أنك قد فزت فوزا عظيما .. لما رأوا عاقبة جسدك

فرحمك الله رحمة واسعة

..

هل تعمق الإحساس في القلوب يا أحبابي

والله إن نعيم الروح لنعيم لا يمكن تخيله ولا وصفه

فيا ربنا أكرمنا برحماتك وأكرمنا بمزيد إحسانك يا أكرم الأكرمين

آمين.

.. ..

وبعد يا أحبابي

هذه أحوال بعض الموتى على مر العصور .. أحوالهم وهم في القبور

..

وإن شاء الله

ابتداء من المشاركة القادمة – بإذن الله –

سأبدأ في ذكر بعض قصص حسن الخاتمة ..

التي توضح بعمق وجلاء مدى النعيم واللذة والسعادة التي يعيش فيها الروح الطيبة المطمئنة

..

أترككم في رعاية الله

في أمان الله

إن أخطأت أو أسأت فأصلحوا لي خطأي وكون مرآة لي

فالمؤمن مرآة لأخيه

ولا تتركوني لخطئي أو جهلي أو سوء قولي وفعلي

..

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخوكم ومحبكم.

2 تعليقات:

غير معرف يقول...

baraka allah fikoum

توبة نصوحة يقول...

و اياكم

إرسال تعليق

المتابعون

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting