رحمك ربي..
حتى في خواطري, لم أستطع أن أتخيلك و أنت تتحدث عن نفسك و عن أعمالك..
لم أسمعك يوما تزكي نفسك..
فكيف لي أن أنسب لك ما ليس فيك؟
فقررت أن أكتب نيابة عنك.. "أفضحك" كما كنت تقول..
سأحدث اخواننا عن يوم عرفة في السنة الخالية..
أول ما أتذكره.. شوقك لهذا اليوم..
و الشوق أثمر في قلبك عن حب و تعظيم و تقديس لهذا اليوم..
كنت طيلة الأوائل لا تحدثنا الا عن الرهبة و الخشية و الخوف من هذا اليوم العظيم..
و كنت تفسر ذلك بقولك أنه "يكفي أن يكون أحب يوم الى الله".. و من نعم الله عليك سبحانه.. أن حبّب اليك ما أحبّه..
فجعلك تحبّ يوم عرفة حبّا لم ينافسك عليه أحد منا..
و كلّما اقترب يوم عرفة.. زدت ابتعادا عنا.. بيننا لكن قلبك كان يسير مهرولا الى ربه..
و أول ما أشرقت شمس عرفة..
و قالوا لنا أن الحافلة ستأتي أسفل الجبل الذي كنا نبيت فيه في منى.. و أنه علينا نزول مئات الدرجات على أرجلنا للوصول للحافلة التي ستنقلنا لعرفات.. أول ما قالوا هذا.. غضب الحجيج.. و دخلوا في جدال مع المنضمين يتهمونهم بالتقصير و سوء التنظيم و أن الدرجات متعبة..و نزولها سيستهلك مجهودا كبيرا منهم.. لأنها درجات صعبة لا سور فيها..
كنت يومها الوحيد الذي لم يتذمر و لم يمتعض.. بل لم يبالي..
كأن شعارك يومها كان "لا شيء سيعيقني و يحول بيني و ربي"
فارتسمت نظرة التحدي على جبينك.. و أخذت عصاك..
و قمت..
وطلبت مني أن ترتكز على كتفي بيدك اليسرى..
و تحمل العصى باليمنى..
و تنزل الدرجات "قفزا"!!!!
والدك صرخ يومها: "كيف لك بهذا و أنت عاجز أن تقفز ثلاثة درجات في البيت؟"
و لكنك هدّأت من روعه و قلت له "أبي..لقد أصبحت الآن بخير و أستطيع القفز.. أنظر" و قفزت أمامه في حركة تمثيلية لا يعرف حقيقتها الا أنا.. فصدّق والدك مضطرا..
و بدأنا النزول..
بعد مائة درجة أحسست بالتعب الشديد, لم أعد أستطيع أن أحملك..و أنت تقفز.. و كل قفزة أقول: "سيسقط!"
فأخذ أحدهم مكاني..
ثم تعب..
فتناوب ستة على مساعدتك على القفز..
تعبنا كلنا الا أنت..
لماذا؟
لأن هناك سرّ..
سرّ أودعه الله فيك..
يعطيك القوة حينما تحتاجها لعبادته..
و يخذها منك حينما تحتاج لمناجاته و الافتقار اليه..
عاملك ربك معاملة الصالحين أخي و أنت منهم ان شاء الله..
وصلنا الحافلة..
هذا يجادل, هذا أضاع طريقه, هذا لم يجد له مكان..
أنت
أنت فقط جلست و رفعت يديك الى السماء و لم تنزلهما..
دموعك كان بعضها يبلل يداي..
و صوت بكائك هذا الذي هو أحب الي من كل الأصوات.. بكاء "التطهر".. كلما بكيته لم يزدك الا نورا..
و مضت الحافلة بين عشرات آلاف الحافلات..
ملايين الحجيج يسيرون في نفس الوقت في اتجاه واحد: من منى الى عرفات..
يتبع ان شاء الله..
رسالة من معز إلى زياد 1
الأحد, فبراير 15, 2009
توبة نصوحة
رسالة من معز الى زياد 1:
أخي الحبيب..
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 تعليقات:
إرسال تعليق