زياد و معرفة الله

-

السلام عليكم و رحمة الله

زياد و معرفة الله..

العنوان "كبير" .. لو أن زياد كان معنا لكان اتصل بي فورا لأحذفه..
لأن زياد رحمه الله لم يكن يحب "الكلام الكبير"..
كنت أواسيه فأحدثه عن ابتلائه.. و لأنه كان على خلق نادر.. فكان يتركني أتكلم نصف ساعة ثم بعد أن يتأكد أنني أتتممت.. يقول لي: هل أقول لك رأيي؟ أقول له: طبعا طبعا.. فيقول ببساطة: ما أنا عليه ليس ابتلاءا.. أولا الابتلاء يعطى للصالحين و انا لست منهم.. ثم هل هذه الآلام تسميها ابتلاءا؟ انظر الى .......... والى .................... و الى ..................... هؤلاء بالفعل مبتلون.. أما أنا.. الجالس على سريري الناعم.. المحاط بكل هذا الخير.. لا يعالجني أبي الا في أفضل المصحات الخاصة.. و تسمي هذا ابتلاءا؟ بل و الله انها نعمة أحمد الله عليها ليلا نهارا..أنا في نعمة والله..الخ
بل كان يقول لي: "علم الله أني لا أصلح لأي عمل في سبيله.. فوهب لي عذرا أقوله له يوم الحساب..و أبرر به تقصيري و تقاعسي.. ألست في نعمة؟" بلى أخي.. أنت في نعمة ان شاء الله.. لعلك الآن تكشفت على ثمارها..
و الى آخر يوم في حياته لم أسمعه يستعمل كلمة ابتلاء.. رغم أنه بشهادة الجميع.. أشد ابتلاء رأيناه هو ابتلاؤه.. هل تدرون ما معنى أن يجد شاب عمره 18 سنة نفسه طريح الفراش لمدة 5 سنوات.. و هو يرى جسده يتعفن و يتخمر أمامه؟ و لا يستطيع الحراك من سريره؟
مرة سألني سؤال يخصني.. فاشترطت عليه أن يجيب على سؤال لي.. و فعلا أجبته ثم سألته: متى عرفت الله؟ أي متى أحسست لأول مرة بقرب من الله؟
سألته لأني أعرف أن هناك نقطة تحول كبيرة في حياة زياد جعلته على هذه الحالة من الروحانية.. و لم يعرفها أحد..
طبعا حاول التهرب من الاجابة.. لكني أصرّيت..
قال: بعد مرضي.. التف الناس بي.. كلهم.. و أحاطوني بحبهم و رعايتهم.. هدايا و زهور و كلام جميل.. ثم قليلا قليلا.. بدأوا ينسوني.. و أخذتهم الدنيا..
و شيئا فشيئا وجدت نفسي وحيدا.. بين أربعة جدران.. لا خل و لا صاحب و لا زائر..
ثلاثة أيام من الوحدة..
أنا من لا يطيق أن يبقى وحيدا و من لا يحب "قعدة الدار"..
فبدأت أحس بالحزن والوحشة و الوحدة..و القلق و الضجر و الملل..
فقلت في نفسي: لن أشكي حالي لأحد من البشر الا لربي..
و جاهدت نفسي..
و قاومت نزغات الشيطان.. كان يقول لي "فضفض لأمك أقرب الناس اليك.. اشكي لأخاك انه أخاك.. اخبر معز انه أحب الناس اليك".. لكني كنت مصمما عن الصبر. أي ألا تشكي للبشر حالك ثلاثة أيام.. فقلت أصبر و لن أشتكي الا لله..
و مرت الثلاثة أيام.. كل ساعة أصعب من التي قبلها.. و كل يوم أصعب من الذي قبله..
و اشتدت فيها آلامي.. و بدأت أحس بتخمر رجلي.. و خفت من الرائحة التي قد يحس بها الناس.. و أحسست بأن المرض خطير لأول مرة.. و لكن لم أخل بعهدي مع الله/ لن أبث حزني الا اليه..و من شدة الآلام.. لم أستطع حتى الدعاء و المناجات كما أريد.. لأني كلما أفتح فمي أخاف أن تخرج آهة تكشف سرّي..
و في اليوم الثالث.. "ماعادش بيها وين"... أغلقت الباب علي.. و رفعت يداي الى السماء في هيئة المستغيث..
و قلت "يا رب.. ليس لي غيرك.. أنت أعلم بحالي..لن أشتكي لك.. لكن ان لم تزل من قلبي هذه الوحشة و تستبدلها بالأنس بك سأكون من الخاسرين.. ان لم تقربني منك.. فسأخسر الدنيا و الآخرة.. يا رب.. لو تقبلت مني صبري.. فأذقني لذة مناجاتك و الأنس بك و حلاوة الايمان و قربني اليك..
يكمل زياد: " و من يومها, و أنا و الحمد لله.." نظر الى وجهي فكأنه تذكر شيئا (خاف من كشف سره) فقال: "من يوممها و أنا الحمد لله أفضل".. رحمك الله يا زياد.. دائما تجد مخرجا لكي لا تريني ما بينك و بين ربك..
لكن الله أراد لسيرتك أن تكشف بعد وفاتك..حتى نتعظ و نعمل و يثقل الله بأعمالنا ميزان حسناتك باذنه و منه..
.............