سيرة الأخ زياد رحمه الله على لسان ابن عمه الأخ أبو زياد

** سيرة الأخ زياد رحمه الله ( علي لسان ابن عمه الأخ أبو زياد ):

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..
جازاكم الله كل خير على كلماتكم الصادقة..و بارك الله فيكم و في الأخ الحبيب الشهيد المكي ..

ماذا أقول؟
ان العين لتدمع و ان القلب ليجزن و لا نقول الا ما يرضي ربنا.. فالحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه..
أشرع مباشرة في الحديث عن محمد زياد..

اسمه محمد زياد.. كما على النت.. لم يكن محبا للأسماء المستعارة.. لم تكن له صورة على النت و صورة في العائلة و صورة في المجتمع.
ربما استوى الظاهر لديه مع سريرته, مما جعل كل من حوله يتفق على حبه كما هو.. كان محبوبا من الجميع.. لم يكن له عدوا واحدا في حياته.. قلبه الصافي لم يحقد يوما على بشر.. و لسانه لم أسمع منه غيبة أو نقدا أو حتى كلمة قاسية.. رحيما, يشوشا, صادقا, كأنه رجل بقلب طفل ..
هو ابن عمي..
عمره 23 سنة –يوم وفاته-..
درس الى الثانوية العامة..
و نشأ على الطاعة و حب الله..
و بينما هو يخطط كأقرانه لمستقبله.. من دراسة و عمل و زواج..
داهمه المرض..
كان عنده سرطان خطير.. من أشد أنواع السرطان فتكا..
و يوم أخبره الطبيب بمرضه –لم يذكره باسمه لكن قال له أن عنده جرثومة خطيرة قد تأدي الى الموت- تلقى الأمر ببساطة و بشاشة و رضا..
كما لو أن الأمر مجرد انفلونزا..
لم يصر على معرفة التفاصيل..
لم يرد يوما أن يعرف شيئا عن مرضه.. لم يكن الأمر يهمه..
كان مشغولا بحب الله..
لم تكن له عبادة معينة أو وردا معينا..
كان فقط يحب الله.. و قبل كب صلاة يتعطر و يتسوك و يمشط لحيته و يقول: بعد لحظات سأكون بين يدي الله..
كان يبكي في كل صلاة..
و رغم تفننه في الاخفاء الا أن سره افتضح..
فأصبح يغير المساجد..
و يجلس بعيدا عنا في الصلاة..
كان يبكي في كل صلاة..
من تكبيرة الاحرام يدخل في حالة أخرى..
كان يحب الله..
و يحب من يحب الله..
كان يطيل النظر في وجوه المصلين في المساجد..
و عندما نسأله يقول : انظروا هذه الوجوه.. سنراها ان شاء الله في الجنة..
بدايات مرضه كانت صعبة..
دواء كيماوي على شعاعي على تجريبي..

تساقط شعره و تغير لونه و وجهه..
شلت رجله و أصبح يمشي بعكاز.. و بصعوبة..
أجرى العملية الأولى فالثانية فالثالثة على رجله..
و بدأ العد التنازلي..
و بعد أن التف الناس به..
بدأت زياراتهم تقل.. و تحول المرض الى حالة مزمنة ..دائمة..تعودوا عليها..
كان يبقى أحيانا أياما طوالا لا يزوره أحد..
فيقول لي :الحمد لله الذي وفقني لهذه الخلوات..و جمع لي شيئين: الاحساس بالضعف و الاحساس بالوحشة, و كليهما يجعلني أفر الى الله و ألتجأ اليه و أستأنس به..الحمد لله الذي هيأ الأسباب ليقربني منه..
كلنا قد نقول كلاما كهذا.. لكن زياد كان يقوله من القلب.. و ابتسامته الدائمة كانت تصدقه.. كان راضيا.. بل يقول و هو في أشد اللحظات أنه أسعد انسان في العالم..
كان كثير الحمد و لا يرى في مرضه ابتلاءا.. بل نعمة بما أنه يقربه من الله..
و كان يستغرب من نظرات الشفقة التي يراها في عيون من حوله, و يقسم أنه كان سعيدا..و قضاء الله أحب إليه من صحتة..
لم نسمع له آهات الا نادرا جدا.. و لم يشتكي يوما..أبدا.. حتى أنه كان اذا اشتد به الألم, تظاهر بالنوم كي لا يحس والديه بما هو عليه.. كان يتفنن في التصبر حتى رزقه الله الصبر و الرضا..
كان أكثرنا بشاشة و تبسما و ضحكا و تفاؤلا..
كل من يزوره يخرج باحساس غريب..يتسائل من المريض؟ مريض الجسد أم مريض القلب؟

..
كانت له عزيمة و ارادة تنبع من يقينه في الله و حسن ظنه به..
حتى أنه شارك في مراتون الأستاذ عمر خالد.. فمشى اثنين و اربعين كيلومتر.. مشاهم على رجل واحدة و عكاز..
حاولت مرارا اقناعه بالتراجع لأن صحته لم تكن تسمح له, لكنه كان صاحب عزيمة قوية., مشى و مشى..
كان يحب الأستاذ عمرو خالد, و شديد التأثر به.. كما يقول هو كان –من مدرسة الأستاذ عمرو خالد- و سبحان الله كلنا تأثرنا بالأستاذ.. لكن زياد كان أسرعنا تطبيقا لكل كلمة سمعها من دروسه.. كان يسمع الحلقة الواحدة مرات و مرات و يبكي كل مرة..
شهد له الجميع -رحمه الله- بالايمان و حسن الخلق..
أحبه كل من عرفه و كل من قابله

رحمك الله أخي..
يصعب الحديث عنك..

كان مركز العائلة.. يجمع شملها, يواسي مصابها, كل من يدخل عليه حزينا يخرج مبتسما..
كان على وجهه هالة من النور.. لا يستطيع أحدا تجاهلها.. حتى أنه ليس من النادر أن ترى ثلة من الشيوخ و ممن يبدو عليهم الصلاح ملتفين حوله و كأن لديه مغناطيسا يجذب به الصالحين اليه
تواصلت به رحلة المرض خمسة سنوات.. رأى فيها من أنواع العذاب و الآلام ما لا تستطيعون تخيله.. آلام, أوجاع, تورمات في أماكن مختلفة في جسده.. بل وصل الأمر بعد انتشار مرضه في رجله.. الى تعفن في فخذه و ركبته.. و قيح و و ..
و كلما زاد الأمر خطورة و شدة.. زاد هو حمدا و رضا.. و نورا..
ذهبنا من سنتين لأداء عمرة.. مع والدته..بنية التداوي ..
بقينا هناك أسبوعين.. ندعو و نتضرع.. واشتد به المرض هناك..
كان مصرا على رؤية والد الشهيد المكي.. يحبه كثيرا و يعتبره أب له بأتم معنى الكلمة.. و شيخه..
أول مارآه عانقه و بكى طويلا ثم طلب من الجميع الانصراف لأن لديه سؤال يريد أن يلقيه على شيخه..
بقيت معهما..
سأله ببساطة: ياشيح كنت أنتظر رؤيتك بفارغ الصبر..أريد أن أعرف منك: أحيانا يقوى علي الألم فبدون أن أشعر قد أقول آه.. فهل ينقص ثواب الصبر بهذه الآهه؟
هذا هو سؤاله الوحيد .. لم يطلب منه شيئا آخر..
لم يكن يطلب الدعاء كثيرا و لم يكن من محبي الأدوية بأنواعها و لا حتى الرقى الا نادرا من بعض المقربين..

كنت أبيت معه على سرير واحد..
و بعد أيام عرفت أنه لم يكن ينام الليل اطلاقا.. من شدة الألم كان يجلس و يمسك رجله و يضع خرقة على فمه حتى لا يصدر عنه أي صوت.. و يبقى على هذا الحال الى الصباح.. و حينما أستيقظ يتظاهر بالنوم..

أياما بل أسابيع على هذا الحال..و كل من حوله لا يعرف أنه يتألم.. حتى أنا – بما أني كنت رفيقه و جليسه في الغرفة, و والدته..
بعد مرور أسبوعين عرفت منه أنه لم يكن يدعو بالشفاء.. فانفعلت.. قلت له كيف لا تدعو ربك بالشفاء؟ لم أتينا اذا؟
أجابني ببساطة: ليس لأني لا أحب الشفاء لمن و الله نسيت.. هذا كل ما في الأمر..
و بالفعل.. كان لا يدعو الا بالفردوس الأعلى.. و بأن يكون من السابقين الأولين اللذين يدخلون الجنة بلا حساب و لا عقاب.. طول اليوم و هو يكرر هذا الدعاء..
كأنه عرف قيمة ما يطلبه.. فتلاشى أمام الفردوس الأعلى كل مطالب الحياة بما فيها الشفاء.. لا يدعو به الا اذا ذكرناه !!
بعد العودة بمدة.. و بعد عدة عمليات جراحية تم بتر رجله..
و أكثر من أي وقت مضى كان صابرا راضيا و هو يودع رجله لتسبقه الى الجنه باذن الله.

عمرته الأولى كانت أول سفرة له.. و كانت في رمضان..
حينها كان يدعو بأن يعيدها في الصيف.. حتى يستطيع دخول الروضة الشريفة و الوصول الى الكعبة..

استجاب الله له و كانت له عمرة في الصيف اللذي يليه..
فدعا الله أن يحج..
و استجاب الله سبحانه له فحج هذه السنه ..
و في الحج كنت أداعبه فأقول له: ما هي دعوتك هذه المرة بعد العمرتين و الحجة؟ أجابني أنه الآن متشوق ليقابل ربه..و أكثر من ذكر الجنه.. و نعيم الجنة..
كان مستجاب الدعوة واللع اعلم كل من حوله احسوا بهذا .. فكانوا يطلبون منه الدعاء..
و كان الدعاء عبادته المفضلة فلم يكن ينسى منهم أحدا..
,بعد الحج اشتدت الآلام.. و انتشر المرض الى رئتيه.. ثم رأسه..و تعمم في جسده..
تدهورت حالته..
أصبح يتكلم بصعوبة

و لا يستطيع الحراك.. حتى التيمم كان يتم بصعوبة جديدة..
لكن رغم هذا كان محافظا على عاداته.. من تعطر و استعداد ثم خشوع ثم أذكار بعد الصلاة..
كان يصلى مستلقيا.. صلواته الأخيرة كانت بلا حراك و لا صوت.. فقط دمعات تسكب على وجهه.. و أنات خفيفة تصاحب قرائته..
و بين الصلاة و الصلاة.. كنت أسمع منه كلمات متقاطعة.. أعرف منها أنه يذكر الله.. خاصة آية الكرسي اللتي كان مداوما على تلاوتها.. و اذا اشتد الألم.. سمعت منه: يا ودود.. يا رؤوف.. يا رحمان..الخ.
مرة قال لي: تعرف يا معز.. عندما سأشفى باذن الله سأواصل حفظ القرآن.. و سأسخر حياتي للدعوة الى الله و الجهاد في سبيله..
و أكثر من الصدقات.. كان الى جانب سريره يضع مجموعة من الكتب الدعوية و العطور و الأشرطة يوزعها على زواره..
و يوم الثلاثاء.. أي قبل وفاته بيوم.. استيقظ قبل الفجر و ناداني.. فهمت من صوته المتقطع أنه يريد أن أصلي به ركعتي قيام..
فصلينا..
ثم صلى الصبح..
و كأن حالته تحسنت قليلا , راجة الموت كما يقولون, فطلب من أمه أن تعد لي فطارا.. فقلت له: صديقك فلان أرسل لك رسالة و يريد أن أقرأها لك.. فقال لي بعد فترة: هات الرسالة اقرأها..
سأكتب لكم نصها ان شاء الله في المشاركة القادمة..
كان هذا آخر ما سمع.. لم يقل كلمة..
دعا لي..
دعا لصاحب الرسالة..
طلب من أمه لبنا و تمرا و عسلا..كان هذا آخر ما وضع في جوفه..
و عاد لغفوته..
يقرأ آية الكرسي بصعوبة شديدة..
ثم أصبح يتنفس بصعوبة..
أخذناه الى المستشفى..


دخل غرفة الانعاش..
الطبيب قال ان الحالة خطيرة.. و أن احتمال وفاته وارد..

نوموه..و وضعوا في فمه و أنفه عدة أنابيب..
و بسبب الآلام و صعوبة التنفس تغير شكل وجهه.. كأنه في حالة ذعر و فزع.. عيناه شاخصتان.. حاجباه..فمه.. لكم أن تتخيلوا وجهه.. المرض نهش كل جزء من جسده.. تحول الى كتلة عاهات.. حدث في جسده ما لا أستطيع أن أصفه لكم.. عرقه بلل نصف السرير..
و صباح اليوم التالي بقي على هذه الحالة.. الى منتصف النهار..
التفت الطبيب الى والدته و قال: البقاء لله.. توفي ابنك..
خرجت أمه مسرعة.. توضأت بسرعة و صلت ركعتين..و لسانها لا ينقطع من حمد الله و انا لله و إنا إليه راجعون..
ثم عادت اليه.. و نظرت في وجهه.. و بللت لحيته بدموعها.. بلسان حامد لله و نظرات مصدقة لصبرها و رضاها..
صبرت الأم..
صبر الأب..


نظرت لوجه زياد بعد أن أزالوا عنه الأنابيب..
فلمحت شيءا غريبا..

مباشرة بعد وفاته..
ارتسمت على وجهه ابتسامة..
اقتربت منه لأتأكد.. فشممت عليه رائحة غريبة.. كأنها رائحة عطر..
ناديت على كل الحاضرين في الغرفة.. كلهم أكدوا هذا.. اذا لم أكن أتخيل..
زياد ابتسم فعلا.. و رائحته –رغم أنه لم يستحم من شهرين..أي من قبل حجته..- رائحته مسك! الله أكبر ! هل في زماننا هذا مازلنا نرى هذه الكرامات؟ الله أكبر.. زياد مبتسم.. ابتسم بعد وفاته.. ماذا رأيت يا زياد يا أخي؟ لا اله الا الله..
ترك لنا زياد وصية أوصى فيها فيما أوصى بأن أكون ممن يغسلونه..
لم أر أطهر و لا أنقى من الماء الذي خرج من الغرفة بعد تغسيله..
الرائحة لم تتغير و الابتسامة زادت..
لا أجد كلمات تصف ما رأيناه.. فأخذت له صورة بالجوال.. سأنشرها لكم هنا ان شاء الله حتى ترو بأم عينيكم وجهه الذي كان –لحظات قبل الوفاة- مكبل بالأنابيب و في حالة ذعر و اختناق.. كيف تحول سبحان الله الى هذا الوجه الطليق المبتسم؟ لا اله الا الله..

أمه كانت جالسة معه طول الوقت..
أول ما رأته قالت مبتسمه -بدون تكلف-: ابني زياد.. لتعلم أني فخورة بك.. ألم تقل أنك تريد الزواج؟ لقد اختار الله لك الحور العين.. و أنا قبلت.. فهنيئا لك و لي قضاء الله يا بني..بلغ سلامي لرسول الله صلى الله عليه و سلم..

ثم امتلأ البيت بنخبة من المؤمنين لم أشهد لهم اجتماعا كهذا في بلدي..
و تحول المأتم الى مجالس علم.. علماء أتوا من كل صوب.. درس هنا, موعظة هناك..
و تأثرت القلوب..
و تعطشت لربها..
فصلى تارك الصلاة..
و تحجبت المتبرجة..
و تصالح قاطعي الرحم..
كل هذا في مجالس المأتم..
و لم تشهد تونس جنازة –على حد علمي و علم الحاضرين- كجنازة زياد رحمه الله..
أمطرت –أو بكت- السماء كما قال الاخوة ..
شهدها سبعة صفوف كاملة من المؤمنين –ولا نزكي على الله أحدا- مائتي مؤمن تقريبا..
الجميع أحس بنور جسده الطاهر..
و بعد العودة.. بدأ المقربون يقصون رؤاهم..
تقريبا عشرة أشخاص رأوه في المنام, نحسبهم من الصادقين – و لا نزكي على الله أحدا- كلهم رأوه متنعما.. هذا رآه تحت عرش الرحمان مع ثلة قليلة من البشر, و ذاك رآه متكأ على أريكة على وجهه نظرة النعيم الخ..
كلها رؤى تؤكد ان شاء الله حسن خاتمته و مآله..
11-
على فكرة.. قبل وفاته بشهرين تقريبا قال لي: يا معز أجلي اقترب..
قلت له لم تقول هذا؟
قال بعد الحاح أنه رأى نفسه مع حور عين و أنه يحاول لمسها..
كما أنه رأى –رحمه الله- مرة أخرى أنه مع طائر أخضر يطوف به..
فأوله لنا أخ بحديث للرسول صلى الله عليه و سلم معناه أن الشهداء في جوف طائر أخضر يطوف بهم ثم يهوي بهم تحت عرش الرحمان أو كما قال صلى الله عليه و سلم..
هل زياد الآن من الشهداء؟ باذن الله و رحمته..

رحمك الله أخي.. رحمك الله..
لم أحب أحدا كما أحببتك..
لم أتوقع لقلبي الضعيف أن يحمل في ثناياه حبا كهذا..
أسأل الله أن يخلف حبك بحب الله سبحانه و حب رسول الله صلى الله عليه و سلم.. و أن يأجرنا على مصيبتنا فيك.. و يخلفنا خيرا منها..آمين.

---------------------------

0 تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting