السمسارة و الريح..
الحلقة الثانية
الحلقة الثانية
استرسلت العجوز تحكي.. كأنّها تأتي بالكلام من ثنايا قلبها.. من أماكن لم تفتح من سنين.. كنت أحس بصدقها.. و دموعها و تنهيداتها كانت كالفواصل لكلامها.. و تعابير وجهها.. أصبحت تتفاعل مع الأحداث.. فجمعت في وجه واحد وجوها كثيرة كل واحد منها يعبر عن مرحلة من حياتها.. وجه الشباب و الرقص.. الى وجه التوبة ..
قالت: سأبدأ بولادتي حتى تكون الصورة واضحة. ولدت في عائلة فقيرة.. بعد أن وصلت سن المراهقة, مات أبي ثم لحقته أمي بعد أن أخبرتني على سرير الموت أني لست ابنتها و أن أمي الحقيقية اسمها كذا.. ولدتني بطريقة غير شرعية فأعطتني لهذه العائلة الفقيرة حتى يستروها و يتكفلوا بي بما أنهم لا ينجبون.
نعم. أنا ابنة زنا. هذه المعلومة هي كل ما ورثته عن أمي التي ربتني و معها اسم أمي الحقيقية. خرجت من البيت و أنا مراهقة.. أهيم في الشوارع لا أملك ما يكفيني لقمة آكلها.. و ذهبت الى منطقة....... التي تسكن فيها أمي الحقيقية.. أبحث عنها.. أنام في الشوارع, أركب و "نرسكي".. الى أن وصلت بيت أمي.. بيتا فخما.. من أثرى أثرياء المنطقة.. لكن لم أكن أريد لا مالها و لا جاهها.. أريد أما.. كنت أبحث عن أما و ان كانت مزيّفة.. كنت أتمنى أن تكذب علي أي امرأة في الشارع و تقول لي أنها أمي و أذهب معها و أرتمي في حضنها.. كنت مستعدة أصدق أي شيء.. و أن أضحي بأي شيء..
و دخلت القصر.. و طلبت منهم أن أرى أمي..
قالوا أنها مريضة و قالوا من أنت؟ لم أشأ أن أفضحها و أقول أني ابنتها.. فقلت أني ابنة صديقتها.. فاعتذروا و قالوا لي أنها مريضة.. و طلبوا مني أن أعود في الغد..
و بتّ في الشارع أحلم بأمي..
و عدت من الغد..
فأعادوا ردّي بأدب.. و قالوا أن حالتها الصحية لا تسمح..
فخرجت و بتّ مرّة أخرى في اشارع أدعو لأمي..
و عدت للمرة الثالثة فوجدت الكراسي من أول الشارع و الماء و عبد الباسط عبد الصمد.. عرفت أن أمي الجديدة ماتت..
فجلست أعزي أناسا لا أعرفهم.. و أنا من يقبل العزاء..
و لم ينتبه أحدا لوجودي..
و لم أرد أن أبقى هناك..
نظرت في وجه كل من عزّى أتوسّله أن يكفلني.. لكن توسّلي كان بعيناي و قلبي.. لأن لساني لم يكن حينها قد "تسرّح".. كنت خجولة جدا..و خجلت أن أطلب أمّا لي..
و خرجت الى الشارع..
هائمة..
انعدم الأمل في أن تكون لي أما..
يبدو أني مشؤومة..
كل أم أقربها تموت..
فبحثت عن رجل..
عن زوج..
و وجدته..
يكبرني بعشرين سنة..
سكّير.. لكنّه طيّب..
تزوّجني في الحلال..
و أسكنني في بيت فيه سرير.. و كل شيء..
و يشتري لي الحلوى كل يوم..
و يأخذني معه الى عمله ..
كان يعمل "درباكجي" , لكن ليس درباكجي مضرّح, بل ضابط إيقاع بالدبلوم .. تعلّمه في المعهد.. و علّمنيه.. علّمني الفنّ الراقي.. كيف أكون رقّاصة محترمة.. و ليست مبتذلة.. كيف أعيش للفنّ.. كيف أحترم فنّي و الجمهور.. كيف أعمل "فنّ نظيف"..
و طبعا.. لكن أن تتخيل النظافة هذه..
جعلتني أتعرّف بأهم الشخصيات في البلد.. أدخل بيوتهم أكثر من نسائهم..
و كنت ربّما للساني الجريء..أثير أكثر الرجال وجاهة و سلطة.. فعشت حياة البذخ.. و دفنت زوجي " رحمه الله .. مات و هو يدربك على الواحدة و نص.. و أنا أرقص أمامه..
هو رجل طيب.. رحمه الله.. و مات سكران يدربك.. لكن أنا أحسّ بأنّ رحمة الله أوسع من عمله.. أليس كذلك؟ هل يمكن له أن يدخل الجنة حتى أقابله و أقنعه أن ما علّمنيه حرام؟ أنا سامحته فهو أصلا لا يمكن ألا تسامحه.. .. رحمه الله. أيمكن أن يكون في الجنة؟"
قلت.. "ان شاء الله ان شاء الله.. رحمة الله واسعة.. اكملي.."
1 تعليقات:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
استوقفتني هذه الجملة
نظرت في وجه كل من عزّى أتوسّله أن يكفلني.. لكن توسّلي كان بعيناي و قلبي.. لأن لساني لم يكن حينها قد "تسرّح".. كنت خجولة جدا..و خجلت أن أطلب أمّا لي..
و خرجت الى الشارع..
هائمة..
االى هذا الحد انعدم احساس الاخ باخيه
اتسائل كم من مكروب مر بجانبي و لم احس به
كم من نداء مساعدة وجه الي و لم اسمعه
جازاك الله خيرا على هذه الرسالة الربانية الموجهة الى كل فرد فينا
إرسال تعليق