عمة أبو زياد .. هل صحيح ما أشيع عنها ؟؟

القصة الواقعية الأولى: عمّتي الخفيّة





عمّتي هذه امرأة كبيرة في السن..


أظن أنها من يوم ولادتي و هي كبيرة كأن الزمن توقف بها..


لها محل صغير "عطريّة" (بقالة) ربما حجمة مترين على متر واحد..


تعمل فيه مع زوجها العجوز..


ليس لهما أبناء..


و لا يتحدّثان أبدا عن هذا الموضوع..


فلا تحسّ بأي تذمر أو سخط أو حتى تمني..


سعداء, راضين, صابرين..


و تقدّم بهما السن..


لكن حياتهم –من شدّة بساطتها – لم تتغيّر..


فلا هوايات لهما, و لا شهوات, و لا أبناء و لا أحفاد..


و تقدّم السّن بهما لم يأثر عليهما


الا أن بيتهما الصغير البسيط عالي (أودة فوق السطوح)


و الصعود اليه على الأقدام أصبح متعبا..


و رغم حياتهما البسيطة جدا جدا.. و أكاد أقول "المتزهّدة" و هي فعلا كذلك..


إلا أن عمّتي هذه و زوجها.. كلّ سنة إما يحجّان أو يعتمران..


و كان الناس يتّهمانهما بالبخل.."وجوه فقر"


كيف يسكنان هذا البيت الصّغير و يأكلان أبسط الطعام و يحرمان أنفسهما من ملذات الدنيا حتى يعتمران و يحجّان؟


أما عن المتديّنين فغيبتهم من نوع آخر: هل الذهاب الى العمرة أهم من دواء ابن اختها؟ أيعقل أن تحج و ابن عمها يحتاج للمال؟ و هكذا.. يتدخلان من باب "الأولويات" في الانفاق ليغتابوها و يحلّلوا غيبتهم لها..


حتّى أن عمّتي أصبحوا يضربون بها الأمثال, بما أنها حديث كل المجالس.. جعلوها كجحا أو أشعب.. أحدهم يتندّر ببخلها, و الآخر بحمقها و نسجوا حولها الطرائف و النكت..


و هي تعلم ما يقولون.. و لا تردّ, و كنت أستغرب منها هذا.. كانت تقول ببساطة "آش يهمني فيهم, خلّي يقولوا" أو –و كانت صاحبة دم خفيف – تقول مثلا حول تهمة البخل "أنا بخيلة؟ ربما كنت بخيلة, الله أعلم.." فتترك الجميع خلفها.. و تلتزم ببرنامجها.. ليس سنة و لا سنتين بل عشرات السنين من العمرات و الحجات المتتالية.. و الغيبة المتلاحقة التي لم تهدأ مرّة, حتى أذكر و نحن صغار كنا نريد أن نذهب لبيتها فقط لنتأكد من الأساطير التي صيغت حول تقشّفها و بخلها (منها مثلا أنها لا تشتري ثلاجة, و تضع الأكل في أكياس حسب ترتيب تاريخ الطبخ, و تبدأ الأكل من آخر كيس الى أول كيس).. نعم وصل الأمر الى أن نسجوا حولها الأباطيل.. و هي تسمع و تمرّ..


بل أنّهم مرّة روّجوا الى أنّها تعيش في العمرة من التسوّل.. و أنّها تمدّ يدها لتأكل.. و لا حول و لا قوة الا بالله.. ثمّ عرفنا أنها كانت مثل كل المعتمرين.. من أثرى ثري الى أفقر فقير.. تأكل في موائد الافطار لإفطار الصائمين.. و كل المعتمرين يأكلون هناك اللبن و التمر.. حتى أصل العبادة هي اطعام الطعام و افطار صائم لم يجعلها المولى سبحانه للفقراء.. و الا لكان كل من في الحرم متسولين!!! لكن الألسن الخبيثة نالت منها.. و جعلتها حديث كل لسان هنا في البلد.


و بعد سنوات طوال..


توفيت عمتي ثم توفي زوجها بعدها بفترة قليلة.. من حبهما لبعض و العشرة التي بينهما لم يتحمل الرجل فراق زوجته..


و بعد وفاتها..


بعد وفاتها..


الله أكبر..


بعد وفاتها..


ربّما عشرون عائلة استفادت من الإرث الذي تركته لهم..


بل و اكتشفوا أنها كانت وراء زواج الفقيرات.. كل سنة تعطي ذهبا خفية لكل فقيرة ستتزوج..


و اكتشفوا أعمالا للخير لا أول لها و لا آخر.. كانت تجيد اخفائها..


و ظهر أشخاص لم نكن نعرفهم.. هذا يقول أنا يتيم كفلتني, و الأخرى تقول أنا أرملة عالتني و الآخر يقول أنا مديون فرجت عني.. رحمها الله رحمها الله رحمها الله..


بل و كشف لنا أخوها أنها بنت مسجدا.. من مالها الخاص! بعد أن كلّفته بكل شيء و حلّفته أن يسترها..و أنها اشترت فيلا.. و جعلت مداخيلها وقفا للمسجد..


يوم وفاتها.. اجتمع العشرات ممن اغتابوها.. ليأخذوا من خيرها.. و تأخذ من حسناتهم..


تكرّمت عليهم بعرضها و يوم وفاتها بمالها..


هذا الآن يدرس بمالها..


و هذه تبني بمالها..


و الآخر يتاجر بمالها..


و كلهم كانوا مشتركين في الغيبة الجماعية..


اكتشفوا يوم وفاتها ..


أنّها كانت تاجرة مع الله و أنها أجادت الإخفاء لدرجة جعلتهم الى الآن يبكون دما..


الآن سيرتها و حكايات صدقاتها الخفية على كل لسان.. و رفع الله ذكرها بدون أي تدخّل منها أو مجهود..


عاشت لله.. تركت الحياة والشهوات خلفها.. بل و نجحت حتى في ابتلاءها بأقرب الناس لها.. فلم تأخذ من الدنيا الا أعمال الخير التي زرعتها.. و الى الآن –و أنا منهم- نعيش منعمين ببعض ما تركته لنا..


رحمك الله عمتي..


تمنيت لو كنت معنا الآن لنطلب العفو..


و لنحبك و نكون أبناءا لك..


لكن الله اختار لك أن يجازيك هو سبحانه..مباشرة


فحرمك من كل جزاء في الدنيا و شكر للبشر..


بالعكس.. جعل الشيطان يسلطهم عليك..


حتى يرفع درجاتك و الله أعلم ما أعده لك..


رحمك الله عمتي..


كلما أكون في الحرم أمد يدي لآخذ التمر.. تذكّرتك.. فاستغفرت لي و لك..


رحمك الله عمتي..


و رحمنا بعفوك عنا..



..


اخواني..


ليست خاتمة, بل هي نصيحة لي ثم لكم: أولياء الله لا ندري أين هم.. الله أخفاهم في عبيده.. لا تتصوّرون احساسي, ليس لأنها عمتي, بل لأنها "تاجرة مع الله" لم لأنتبه لوجودها.. مرّت و لن تعود..


و كم من ولي صالح يمر في المنتدى أو في الحياة.. تحسبه "أحمقا" أو "تافها" أو "بسيطا" أو "شريرا" أو "صغيرا" أو أو.. و هو مكتوب عند الله من أوليائه؟ نسأل الله أن نكون جميعا منهم و أن يرزقنا حبه و حبّ من أحبّه و حبّ كل عمل يقرّبنا من حبّه..و و يستر سرائرنا و أن يرزقنا حسن الخاتمة.

5 تعليقات:

غير معرف يقول...

السلام عليكم ورحمة الله


نمضي في طريقنا الى الله من غير ان نلقي بالا لما يلاحقنا من كلام الناس أو تصرفاتهم
أمر جميل و كما قال أخي أبو زياد هو السهل المستصعب
لا أدري ماذا أكتب في هذا الموضوع بالتحديد لأني سبحان الله أطرحه على نفسي هذه الايام
جزاكم الله خيرا لمساعدتي على توجيه أفكاري
جزاك الله خيرا أخي أبو زياد على تحريرك الأكثر من رائع سبحان الله كلام يخرج من القلب و لا ازكي على الله أحدا
رحمك لله يا عمتي و اسكنكي أعلى جنانه و جمعنا و اياكي و من نحب
آآآآمين...

غير معرف يقول...

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته


عمتي رحمك الله و اسكنك فسيح جناتك و رزقك الفردوس الاعلى و رفقة سيد الخلق صلى الله عليه و سلم


انا قلت عمتي لانني أحسست بانها عمتي و هي قعلا عمة الكل........و انا أحسبها كذلك و أحببتها في الله يشهد الله على ذلك


أراد الناس الدنيا و هي ارادت الاخرة...يااااااااااه كم كانت تفهم هذه الحياة جيدا


هو فهم بسيط و لا يحتاج لتعقيد لكنه صعب التحقيق..........فطبقته رغم صعوبته رحمها الله


علمت ان اهم تجارة يتاجر فيها الانسان في حياته


هي ان يتاجر مع الله...........و كانت في الاخير تاجرة مع الله


كانت حبيبة الله و الكل ساعدوا في قربها لله و هم لا يدرون بذلك


ذلك سببه حب الله لها..........


كم من ابتلاءات تصيبنا و نضجر منها و قد يصل لان نتمرد على الله و لا نعلم


ان ذلك الابتلاء ما هو الا حب من الله........هي فهمت هذا في حين غفل عنه الكثير رحمها الله


استفدت كثيرااااااااااااا من قصتها أخي أبو زياد...........هذا ليس كلاما بل شعورا


سيتجسد لافعال باذن الله...............أسأل الله أن يرحمها و أن يجمعنا معها و مع كل الاولياء


الصالحين و الصديقين و الشهداء و سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم...في الفردوس الاعلى.........الذي أحسبها الان انها فيه ان شاء الله


جزاك الله أخي ابو زياد الجنة


أحبك في الله عمتي

غير معرف يقول...

تعلمت من العمة رحمها الله أن لا أسيئ الظن بالناس

أعاملهم بما يرضي الله تعالى و هو وحده العالم بأسرار القلوب

تذكرني العمة بأحد الصالحين رضوان الله عليهم (للأسف لا أذكر اسمه)

كان كثير القيام بالليل يتهجد لله و يتلو القرآن و يصلي ما يشاء الله له أن يصلي

و كان إذا ما شعر باقتراب أحدهم من خلوته قام من فوره إلى فراشه

ليظن القادم أنه نائم ، حتى أن أهل بيته كانوا يعاتبونه على عدم قيامه

الليل و هو من كان لا ينام من الليل إلا قليلا.

نية خالصة لوجه الله لا تريد جزاء و لا شكورا إلا من الله عز و جل.




اللهم اغفر لها و تب عليها و سامحها و ارحمها

اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة

اللهم جازها بالإحسان إحسانا و بالإساءة عفوا و غفرانا

اللهم أسكنها الفردوس الأعلى من الجنة بصحبة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم.

غير معرف يقول...

بسم الله ما شاء الله على قوتها وصبرها على ايذاء الناس والكلام الذى لايسمن و يغنى من جوع
عمتك عملت لدار البقــاء الباقيه وتركت دار الفنـــاء الزائفه
ربنا يجزيها الفردوس الاعلى ويزيد من امثالها .
وجزاك الله خير الجزاء على الموضوع الرائع

غير معرف يقول...

جزاك الله خيرا على هاته القصص المعبرة التي توقظ فينا مشاعر شتى
و تدفع العبرات إلى أعيننا دفعا و تتركنا في حالة من الذهول لحكمة الله في خلقه
الله الذي يمهل و لا يهمل
الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه
الله الرحيم بعباده الرؤوف بقلوبهم الضعيفة
الله الذي يتوب على من يستغفره و لو تأخرت توبته مائة عام
فسبحان الله في خلقه
و الحمد لله على ما رزقنا من نعم

قرأت القصص في ترتيب عكسي...
و كانت كل قصة تأخذني إلى مشاعر مختلفة
تزاحمت في عقلي التعليقات...
لكنني قررت أن لا أعلق و أكتفي بمرور وراء الستارة
فالإخوة أجادوا و أفادوا و لم يقصروا في استخراج المعاني و العبر
حتى أن تعليقاتهم وحدها تستحق التعليق و الإفاضة

لكن حين وصلت إلى نهاية القصة الأولى... و هي آخر قصة قرأتها
استوقفتني النهاية... أو النصيحة التي وجهتها

استرجعت مواقفا كثيرة... أحكاما مسبقا أطلقتها على بعض من مر بي في الحياة اليومية أو على المنتدى
تعليقات قد تكون تبادرت إلى ذهني دون أن أنطق بها أو أعبر عنها... من باب تجنب الغيبة
لكنها خطرت لي على أية حال
و أخرى قد أكون عبرت عنها في غفلة و تغرير من ابليس... غفر الله لنا و لكم
"تافه"، "تفكيره سخيف"، "يظن نفسه بطلا"، "مغرور"، "نيّة"، "أحمق"...
و غيرها من الصفات التي "نتصدق" بها على غيرنا، و الله أعلم بدخائل النفوس
و كم نتعجل بالحكم بظاهر الأمور... و قد يكون أولياء الله من حولنا و نحن لا ندري...

و أختم قولي بدعائك
نسأل الله أن نكون جميعا منهم و أن يرزقنا حبه و حبّ من أحبّه و حبّ كل عمل يقرّبنا من حبّه..و و يستر سرائرنا و أن يرزقنا حسن الخاتمة.

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

إرسال تعليق

المتابعون

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting