السمسارة و الريح 3



السمسارة و الريح..
الحلقة الثالثة


قالت: مات رحمه الله تاركا ابنا وحيدا..
و لا أخفيك أني يومها فكّرت في الاعتزال.. لكن أقنعوني بأني مازلت في أوجّ عطائي الفنّي و أن الفنّ الأصيل سيخسر نجمة لامعةلكنّي قاومت.. أحسست أنّ رسالتي مع ابني أهم من رسالتي الفنّية.. فأخذت ابني و هاجرت من تلك المنطقة الى منطقة أخرى.. و بقيت مع ابني و قرّرت أن أهبه حياتي و أن أكون له الأم و الأب و أن أربّيه كما لم أجد من يربّيني..
و طبعا لك أن تتصور.. كنت أكسب أكثر من وزير.. الآن أجد نفسي بلا أي دخل.. كانت الأرضية ممهدة لهم ليغروني بالعودة الى الفنّ الأصيل..
و رضخت.. لكن بطريقة لا تخطر على بالك.. ادّعيت أني أعمل ممرّضة في الليل.. و كلّ ليلة أترك ابني و أخرج و لا أعود الا مع الفجر.. و أقنعت كل أهالي المنطقة بهذه الكذبة.. لا أريد أن ينعت ابني بابن الرّقّاصة..
و كبر الولد..
و أنا كلّ ليلة محافظة على موعدي.. أخرج بلباس الممرّضة البيضاء.. أغيّرها بعيدا.. و أعود..
ابني من صغره لم يكن عاديا.. نظرته لي.. كلامه.. أظن أنه لم يمرّ بالمراهقة قط.. كأنه ولد رجلا.. و ابني فيه خصلة.. "غلبني بها".. أنه لا يسأل.. كأنّه علم أنّه لو سألني لكنت متّ ألما.. فلم يسألني قط.. لم يحاسبني يوما.. ساكت.. أحسّ من نظراته بألمه.. لكن كان في منتهى البرّ.. و يسمع كلامي و يتحمّل نوباتي.. و لكن لم يدرأ أن يسألني "لما تأخرتي أمي؟ أين كنت أمي؟" حتى أنه لم يبحث يوما في ملابسي أو أغراضي.. لأنه لو بحث لوجد ملابس الرقص.. لكني كنت أقول دائما أن ابني يرى بنور الله.. كأن الله وضع على عينيه حجاب حتى لا يرى من أمه الا الخير...
و تتالت الأيام و السنّون..
و أصبح عمره 13 سنة..
و عدت يوما الى البيت قبل الفجر بقليل.. و أنا منهكة.. فقد سمنت و أصبح الرقص يرهقني..
فوجدت صدمة في انتظاري..
وجدت ابني يصلّي "ركعة في جرّة أختها" صلاة طويلة.. لم يكن عندنا سجّادة و لا أعرف القبلة.. الآذان كنت أعتبره ناقوس الخطر.. لأنه يجب أن أدخل البيت قبل الآذان.. لكن لم أتوقع أن أجد ابني يصلي..
اقتربت منه بدون شوشرة.. و كان ساجدا يبكي..
سمعت دعائه..
كان يقول: "يا رب.. ارح أمي من عمل الليل و جد لنا مخرجا.. أعرف أنها ممرضة و عملها نبيل.. لكن يا رب.. أرحها من عمل الليل"
حينها لأول مرّة أتأكّد أنّ ابني لا يعلم شيئا من عملي..
لأن سكاته الطويل و نظراته.. تجعلني أشك..
لكن حينها.. أحسست أنّه يستحق أمّا أفضل منّي..
قرّرت الاعتزال مرّة أخرى..
لكنها ليست الأخيرة..
كالعادة.. أوّ لما أقرّر تأتي المغريات..
قلت لهم أصبحت كبيرة و سمينة و لم أعد أجيد الرقص.. لكن قالوا لي حتى جمهورك كبر معك و مازال يحترم فنّك.. و يرى بالعشرة..
تعلّلت لهم بالسيارة.. فأهدوني سيارة..
فبقيت على عملي هذا.. رغم أني كرهته..
قاطعتها "كم من سنة بقيتي بعد هذا؟"
قالت بتلقائية "10 سنوات أخرى!"
"10 سنوات!"
"10 سنوات.. و ابني كل ليلة أعود فأجده يصلّي.. قيام الليل.. و يسجد و يبكي و يدعو لي بالهداية و بعمل أرتح.. و أنا كأن قلبي تعوّد على المشهد.. فلم أعد أحس.. حينما أراه يصلّي أقول له: يهديك.. يزّي من الصلاة و ارقد كيف الناس, غدوة تقرى.. فكان لا يجرأ على مجرد النظر في وجهي.. كان يسكت و يذهب للنوم قائلا: القيام نافلة و طاعتك فرض يا أمي.. 10 سنوات و هو صابر علي.. ابني يا ولدي طلع "متديّن" "من عند ربي".. لم يعلّمه أحد شيئا.. سبحان الله.. لا أباه و لا أمه فيها شيئا من هذا.. ابني طلع صالح.. .. اليوم سأخبرك بكل شيء.. قل لي يا ولدي.. يخّي ما عندكش خدمة؟ ليك ساعة و انت تسمع في خرافاتي؟ ماحلاها خدمتك, مبنّك تسمع و الناس تستنى فيك"
قلت "اكملي اكملي.. لا أحد ينتظرني الآن و حتى ان كان ينتظرني فلن أتركك حتى أسمع البقية"
قالت " طيب و الإيجار.. أنت على وعدك لي أم تتليفة؟"
قلت لها " ما ظنّك بي؟"
قالت" أظن أنك صادق.. و أنك ستأجّره من عندي"
قلت"طيب اكملي.."
تنهّدت و أكملت..

3 تعليقات:

غير معرف يقول...

يا رب يتقبل توبتها ...

غير معرف يقول...

ربي ما أكرمك وأحلمك
اللهم انا نستغفرك ونتوب اليك من كل الذنوب والمعاصي ما نعلمه وما لا نعلمه ما نذكره وما لا نذكره ...
يا رب اغفر وارحم واعف عن هذا الولد البار المؤمن ( ولا نزكيه عليك مولانا ) برحمتك ونورك ومحبتك وتقبله هو وأمه في عبادك الصالحين ..
ربي تقبل تعوبتها واياينا ما افقرنا اليك مولانا ..
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين ...

اللهم لك الحمد حمدا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ...

الله يحسن خاتمتك اماه ... الله يا رب يرضى عنك وعن ولدك ويرضيكما دنيا وآخره اماه ...

لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين

غير معرف يقول...

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

سبحان الله.. كم عانت هذه العجوز..

كانت ضحية .. ضحية الشهوات .. و ضحية المجتمع .. و .. و

لكن سبحان الله لعل الله اطلع على قلبها فعلم أنها لم تجد من يرشدها و يأخذ بيدها..

فوهبها الله ابنا قلما تلده النساء .. سبحان الله أي برّ بالأم هذا..

سبحان الله ..

إرسال تعليق

المتابعون

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting