الآفات المعيقة عن الصبر:
1- الاستعجال: النفس موكولة بحب العاجل ((خلق الإنسان من عجل))، فإذا أبطأ على الإنسان ما يريد نفد صبره وضاق صدره واستعجل قطف الثمرة قبل أوانها فلا هو ظفر بثمرة طيبة ولا هو أتم المسير، ولهذا قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:((فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ولا تستعجل لهم))، أي العذاب فإن له يوماً موعوداً.
لقد باءت بعض الدعوات بالفشل ولم تؤت ثمرتها المرجوة بعلة الاستعجال، ولو أنهم صبروا لكان خيراً لهم، ثار بعضهم على الطغيان ولما يقم على ساقه ويشتد عوده وتكتمل آلته وتنضج دعوته وتمتد قاعدته فقضي على الدعوة ووئد الداعية وذهب الاثنان في خبر كان. والحديث عن الاستعجال أطول من هذا ولكن في الإشارة للبيب ما يغني عن العبارة.
2- الغضب: قد يرى الداعية من المدعوين مالا يليق فيستفزه الغضب فيدفعه إلى مالا يحسن به مما يسيء إلى الدعوة ويلصق بجبين حاملها وصمة عار تبقى الدهر كله، ولهذا حذر الله رسوله من مغبة الغضب بأن لا يقع فيما وقع فيه يونس فقال: فاصبر لحكم ربك، ولا تكن كصاحب الحوت لقد فرغ صبره فضاق صدره فغادرهم غاضباً قبل أن يأذن الله له ظناً منه أن الله لن يضيق عليه فضيق الله عليه بأن جعله في بطن الحوت: ((وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين))، فتاب الله عليه: ((فاستجبنا له ونجيناه من الغم)).
3- اليأس : أعظم عوائق الصبر وهو الذي حذر يعقوب أبناءه من الوقوع فيه مع تكرار البحث عن يوسف وأخيه: ((يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون))، وهو الذي حرص القرآن على دفعه عن أنفس المؤمنين فبذر الأمل في صدورهم: ((ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس))، وقال لهم: ((ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون، والله معكم ولن يتركم أعمالكم))، إن إضاءة شعلة الأمل دواء اليأس وهذا ما ذكرت به الآيات المؤمنين وهو ما ذكر به موسى قومه فقال: ((استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين))، ولما شكا خباب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلاقيه من أذى قريش قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكره مصاب الصالحين في الأمم قبله: "والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون".
5- نماذج للصابرين:
لقد ضُرب لنا في القرآن نماذج رائعة تجسدت فيهم حقيقة الصبر، واستحقوا أن يذكروا بصبرهم فيقتدى بهم الصابرون، وسنختار في هذه العجالة ثلاثة منها يتمثل في كل واحد منها لون من الصبر.
أ - الصبر على طاعة الله:
في قصة إبراهيم وإسماعيل التي حكاها الله لنا بقوله عن إبراهيم: ((وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين، رب هب لي من الصالحين، فبشرناه بغلام حليم، فلما بلغ معه السعي، قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم، قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم، وتركنا عليه في الآخرين، سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين، إنه من عبادنا المؤمنين...)).
من أيهما تعجب من الأب الذي رأى في المنام أنه يذبح ابنه أم من الابن الذي يستسلم لأمر الله طواعية واختياراً، لقد كان الابن وحيد إبراهيم ولم يأته إلا على كبر فما ظنك بتعلق الأب بابنه، إنه تعلق لا يوصف، ولكن تعلقه بالله أعظم وطاعته لله فوق كل ذلك، لقد حطم إبراهيم كل نداءات الأرض لما جاء الأمر من السماء، وضرب للناس أروع الأمثال في الطاعة، ولقد كان الوحي في هذه المرة رؤيا فلم يتأولها إبراهيم لصالحه بدافع من غريزة الأبوة، ولكنه امتثل وعرض على ابنه ما رأى عرضاً في غاية الإيجاز والسهولة ولكنه يتضمن أمراً في غاية الخطورة، ولم يكن الابن صغيراً بحيث لم ير الأب من جدواه ما يجعله شديد التعلق به والاعتماد عليه، ولكنه بلغ مع أبيه السعي فاصبح فتى مفتول العضلات، قوي الساعد، وكانت إجابة الابن محيرة حقاً، لقد حسم الموقف بجملتين قالهما لأبيه خلدهما التاريخ له، وكانتا سبباً في تدوين اسمه في الصابرين: ((وإسماعيل وإدريس وذا الكفل،كل من الصابرين))، قال إسماعيل: ((يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين))، أي لا تأخذ رأيي ولا تنتظر مشورتي بل نفذ ما أمرت به، ثم لا ينسى أن يستمد العون من الله على حاله بالصبر فهو لا يعتمد على قوته وشدة جلده بل يسأله من ربه، وصدقا وأسلم الوالد ولده، وتله أبوه للجبين، وتهيأ للذبح وجاءت البشرى عند ذاك بعد أن حقق الابتلاء ثمرته ((وناديناه أن ياإبراهيم... الآيات)).
ب - الصبر عن معصية الله:
وأبرز الأمثلة وأشدها وضوحاً صبر يوسف عليه السلام على مراودة امرأة العزيز، لقد كان الصبر ظهير يوسف في محنته التي ابتلي بها اضطراراً واختياراً وكشف عن هذا حين عثر إخوته عليه فقال: ((أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين))، لقد رفض كل العروض والإغراءات وخرج من الفتنة بإيمانه وصبره، وكان صبره هذا أرقى من صبر أبيه يعقوب على الفراق وأرقى من صبر أيوب على ما بلي به لأن صبرهما كان اضطرارياً لا حيلة لهما في رفعه ولا دفعه بينما كان صبر يوسف اختياراً وحين تملك فلم يتكبر ولم يطغ صبراً اختيارياً، يقول ابن القيم نقلاً عن شيخه ابن تيميه رحمهما الله: "كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر، وأما صبره عن المعصية فصبر اختيار ورضا، ومحاربة للنفس، ولاسيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة:
1- فإنه كان شاباً، وداعية الشباب إليها قوية.
2- وعزباً ليس معه ما يعوضه ويرد شهوته.
3- وغريباً، والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي فيه بين أصحابه ومعارفه وأهله.
4- ومملوكاً، والمملوك أيضاً ليس وازعه كوازع الحر.
5- والمرأة جميلة وذات منصب، وهي سيدته.
6- وقد غاب الرقيب.
7- وهي الداعية إلى نفسها والحريصة على ذلك أشد الحرص.
8- وتوعدته إن لم يفعل بالسجن والصغار.
ومع هذه الدواعي كلها صبر اختيارياً وإيثاراً لما عند الله، وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه" ا هـ .
لقد ضحى بدنياه من أجل دينه، وبحريته من أجل عقيدته، وقال قولته المشهورة: ((رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه، وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)).
ولما أفرج عنه من السجن الطويل واستدعي لمقابلة الملك، لم يستفزه هذا الخبر بل طلب التحقيق في القضية حتى تظهر براءته على الملأ وحدث ذلك فعلاً وعند ذلك ازداد إعجاب الملك به فقال: ((ائتوني به استخلصه لنفسي))، وكان في المرة الأولى قال ((ائتوني به))، فقط ((فلما كلمه قال: إنك اليوم لدينا مكين أمين)).
ج - الصبر على أقدار الله المؤلمة:
إن أشهر من يقرن اسمه بهذا اللون من الصبر نبي الله أيوب عليه السلام، لقد أصابه ضر عظيم في بدنه وأهله وماله فصبر، فخلد ذكره في القرآن فقال الله تعالى: ((واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب، ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب، وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث، إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب))، لقد ذكر له من ألوان التكريم وأوسمة الشرف ما هو جدير بمثله لعظيم صبره، فأولهما تكريمه بتخليد ذكره ومباهاة الله به عند رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وثانيه: تكريمه بقوله ((عبدنا))، حيث أضافه إليه، والعبودية من أشرف أوصاف الإنسان التي يتحلى بها، وثالثها: عندما استجاب نداءه وكشف ضره ووهب له أهله ومثلهم معهم، ورابعها: حينما جعل له مخرجاً من يمين حلفه على امرأته فكرمت وكرم بما يخلصه من مأزق الحنث، وكانت خاتمة ذلك هذا الوسام من الشرف العريض ((إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب))، فوصفه بالصبر حتى قرن الصبر بأيوب فلا يذكر إلا وهو معه، ثم قال: نعم العبد فكانت شهادة من الله بتمام عبوديته، ثم ختم ذلك بقوله إنه أواب، والأواب: المبالغ في شدة رجوعه إلى الله تعالى.
وقد ذكر الله تعالى صبره في موطن آخر فقال: ((وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر، وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين، وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين))، لقد كان نداء أيوب في ضرائه غاية في اللطف والأدب ولذا كانت الإجابة آية في التمام والكمال، لقد نادى ربه ولم يسأله شيئاً بعينه من الأهل والعافية وذكر ربه بما هو أهله وبما اتصف به ((إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين))، فاستجاب له دعاءه فكشف عنه الضر ورد عليه الأهل ومثلهم معهم وجعله ذكرى للعابدين وإماماً من الصابرين.
جعلني الله وإياك منهم وحشرنا معهم وآجرنا بأجرهم إنه ولي ذلك والقادر عليه...
هنا الرابط من موقع صيد الفوائد
1- الاستعجال: النفس موكولة بحب العاجل ((خلق الإنسان من عجل))، فإذا أبطأ على الإنسان ما يريد نفد صبره وضاق صدره واستعجل قطف الثمرة قبل أوانها فلا هو ظفر بثمرة طيبة ولا هو أتم المسير، ولهذا قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:((فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ولا تستعجل لهم))، أي العذاب فإن له يوماً موعوداً.
لقد باءت بعض الدعوات بالفشل ولم تؤت ثمرتها المرجوة بعلة الاستعجال، ولو أنهم صبروا لكان خيراً لهم، ثار بعضهم على الطغيان ولما يقم على ساقه ويشتد عوده وتكتمل آلته وتنضج دعوته وتمتد قاعدته فقضي على الدعوة ووئد الداعية وذهب الاثنان في خبر كان. والحديث عن الاستعجال أطول من هذا ولكن في الإشارة للبيب ما يغني عن العبارة.
2- الغضب: قد يرى الداعية من المدعوين مالا يليق فيستفزه الغضب فيدفعه إلى مالا يحسن به مما يسيء إلى الدعوة ويلصق بجبين حاملها وصمة عار تبقى الدهر كله، ولهذا حذر الله رسوله من مغبة الغضب بأن لا يقع فيما وقع فيه يونس فقال: فاصبر لحكم ربك، ولا تكن كصاحب الحوت لقد فرغ صبره فضاق صدره فغادرهم غاضباً قبل أن يأذن الله له ظناً منه أن الله لن يضيق عليه فضيق الله عليه بأن جعله في بطن الحوت: ((وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين))، فتاب الله عليه: ((فاستجبنا له ونجيناه من الغم)).
3- اليأس : أعظم عوائق الصبر وهو الذي حذر يعقوب أبناءه من الوقوع فيه مع تكرار البحث عن يوسف وأخيه: ((يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون))، وهو الذي حرص القرآن على دفعه عن أنفس المؤمنين فبذر الأمل في صدورهم: ((ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس))، وقال لهم: ((ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون، والله معكم ولن يتركم أعمالكم))، إن إضاءة شعلة الأمل دواء اليأس وهذا ما ذكرت به الآيات المؤمنين وهو ما ذكر به موسى قومه فقال: ((استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين))، ولما شكا خباب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلاقيه من أذى قريش قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكره مصاب الصالحين في الأمم قبله: "والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون".
5- نماذج للصابرين:
لقد ضُرب لنا في القرآن نماذج رائعة تجسدت فيهم حقيقة الصبر، واستحقوا أن يذكروا بصبرهم فيقتدى بهم الصابرون، وسنختار في هذه العجالة ثلاثة منها يتمثل في كل واحد منها لون من الصبر.
أ - الصبر على طاعة الله:
في قصة إبراهيم وإسماعيل التي حكاها الله لنا بقوله عن إبراهيم: ((وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين، رب هب لي من الصالحين، فبشرناه بغلام حليم، فلما بلغ معه السعي، قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم، قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم، وتركنا عليه في الآخرين، سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين، إنه من عبادنا المؤمنين...)).
من أيهما تعجب من الأب الذي رأى في المنام أنه يذبح ابنه أم من الابن الذي يستسلم لأمر الله طواعية واختياراً، لقد كان الابن وحيد إبراهيم ولم يأته إلا على كبر فما ظنك بتعلق الأب بابنه، إنه تعلق لا يوصف، ولكن تعلقه بالله أعظم وطاعته لله فوق كل ذلك، لقد حطم إبراهيم كل نداءات الأرض لما جاء الأمر من السماء، وضرب للناس أروع الأمثال في الطاعة، ولقد كان الوحي في هذه المرة رؤيا فلم يتأولها إبراهيم لصالحه بدافع من غريزة الأبوة، ولكنه امتثل وعرض على ابنه ما رأى عرضاً في غاية الإيجاز والسهولة ولكنه يتضمن أمراً في غاية الخطورة، ولم يكن الابن صغيراً بحيث لم ير الأب من جدواه ما يجعله شديد التعلق به والاعتماد عليه، ولكنه بلغ مع أبيه السعي فاصبح فتى مفتول العضلات، قوي الساعد، وكانت إجابة الابن محيرة حقاً، لقد حسم الموقف بجملتين قالهما لأبيه خلدهما التاريخ له، وكانتا سبباً في تدوين اسمه في الصابرين: ((وإسماعيل وإدريس وذا الكفل،كل من الصابرين))، قال إسماعيل: ((يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين))، أي لا تأخذ رأيي ولا تنتظر مشورتي بل نفذ ما أمرت به، ثم لا ينسى أن يستمد العون من الله على حاله بالصبر فهو لا يعتمد على قوته وشدة جلده بل يسأله من ربه، وصدقا وأسلم الوالد ولده، وتله أبوه للجبين، وتهيأ للذبح وجاءت البشرى عند ذاك بعد أن حقق الابتلاء ثمرته ((وناديناه أن ياإبراهيم... الآيات)).
ب - الصبر عن معصية الله:
وأبرز الأمثلة وأشدها وضوحاً صبر يوسف عليه السلام على مراودة امرأة العزيز، لقد كان الصبر ظهير يوسف في محنته التي ابتلي بها اضطراراً واختياراً وكشف عن هذا حين عثر إخوته عليه فقال: ((أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين))، لقد رفض كل العروض والإغراءات وخرج من الفتنة بإيمانه وصبره، وكان صبره هذا أرقى من صبر أبيه يعقوب على الفراق وأرقى من صبر أيوب على ما بلي به لأن صبرهما كان اضطرارياً لا حيلة لهما في رفعه ولا دفعه بينما كان صبر يوسف اختياراً وحين تملك فلم يتكبر ولم يطغ صبراً اختيارياً، يقول ابن القيم نقلاً عن شيخه ابن تيميه رحمهما الله: "كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر، وأما صبره عن المعصية فصبر اختيار ورضا، ومحاربة للنفس، ولاسيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة:
1- فإنه كان شاباً، وداعية الشباب إليها قوية.
2- وعزباً ليس معه ما يعوضه ويرد شهوته.
3- وغريباً، والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي فيه بين أصحابه ومعارفه وأهله.
4- ومملوكاً، والمملوك أيضاً ليس وازعه كوازع الحر.
5- والمرأة جميلة وذات منصب، وهي سيدته.
6- وقد غاب الرقيب.
7- وهي الداعية إلى نفسها والحريصة على ذلك أشد الحرص.
8- وتوعدته إن لم يفعل بالسجن والصغار.
ومع هذه الدواعي كلها صبر اختيارياً وإيثاراً لما عند الله، وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه" ا هـ .
لقد ضحى بدنياه من أجل دينه، وبحريته من أجل عقيدته، وقال قولته المشهورة: ((رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه، وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)).
ولما أفرج عنه من السجن الطويل واستدعي لمقابلة الملك، لم يستفزه هذا الخبر بل طلب التحقيق في القضية حتى تظهر براءته على الملأ وحدث ذلك فعلاً وعند ذلك ازداد إعجاب الملك به فقال: ((ائتوني به استخلصه لنفسي))، وكان في المرة الأولى قال ((ائتوني به))، فقط ((فلما كلمه قال: إنك اليوم لدينا مكين أمين)).
ج - الصبر على أقدار الله المؤلمة:
إن أشهر من يقرن اسمه بهذا اللون من الصبر نبي الله أيوب عليه السلام، لقد أصابه ضر عظيم في بدنه وأهله وماله فصبر، فخلد ذكره في القرآن فقال الله تعالى: ((واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب، ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب، وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث، إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب))، لقد ذكر له من ألوان التكريم وأوسمة الشرف ما هو جدير بمثله لعظيم صبره، فأولهما تكريمه بتخليد ذكره ومباهاة الله به عند رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وثانيه: تكريمه بقوله ((عبدنا))، حيث أضافه إليه، والعبودية من أشرف أوصاف الإنسان التي يتحلى بها، وثالثها: عندما استجاب نداءه وكشف ضره ووهب له أهله ومثلهم معهم، ورابعها: حينما جعل له مخرجاً من يمين حلفه على امرأته فكرمت وكرم بما يخلصه من مأزق الحنث، وكانت خاتمة ذلك هذا الوسام من الشرف العريض ((إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب))، فوصفه بالصبر حتى قرن الصبر بأيوب فلا يذكر إلا وهو معه، ثم قال: نعم العبد فكانت شهادة من الله بتمام عبوديته، ثم ختم ذلك بقوله إنه أواب، والأواب: المبالغ في شدة رجوعه إلى الله تعالى.
وقد ذكر الله تعالى صبره في موطن آخر فقال: ((وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر، وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين، وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين))، لقد كان نداء أيوب في ضرائه غاية في اللطف والأدب ولذا كانت الإجابة آية في التمام والكمال، لقد نادى ربه ولم يسأله شيئاً بعينه من الأهل والعافية وذكر ربه بما هو أهله وبما اتصف به ((إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين))، فاستجاب له دعاءه فكشف عنه الضر ورد عليه الأهل ومثلهم معهم وجعله ذكرى للعابدين وإماماً من الصابرين.
جعلني الله وإياك منهم وحشرنا معهم وآجرنا بأجرهم إنه ولي ذلك والقادر عليه...
هنا الرابط من موقع صيد الفوائد
0 تعليقات:
إرسال تعليق