رحيل عام وانقضاء عمر


رحيل عام وانقضاء عمر


الحمد لله رب العالمين؛ حمدا باقيا على مر الدهور والسنين، والصلاة والسلام على نبيه الكريم الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد:
كم انصرمت من عمرنا سنون؟! وفاتتنا من سنواتنا أيام وشهور! هل وقفنا سويعة؟! نتأمل ماذا قدمنا لآخرتنا! هذا اليوم العظيم الذي يحدث فيه حدث جلل! هل تعرفون ماهو هذا الجلل العظيم؟! إنه ليس كل ما أخبر عنه القرآن من حوادث وتهديم لهذا الكون البهيج ؟ إن أعظم حدث يكون يوم القيامة هو أن الله القهار يغضب غضبا لم يغضبه من قبل ولن يغضبه من بعد، كما ثبت ذلك في الصحيح في حديث الشفاعة الطويل. فكيف نأمن بالله عليكم يوما كهذا؟! كيف نأتي الجبار بسيئاتنا وهو غضبان؟! كيف نقابله وقد تركنا كتابه وراء ظهورنا؟ كيف وقد أمر فلم نأتمر؟ ونهي فلم ننته؟!

هنا فلنقف مع أنفسنا وقفة تأمل وتدارك!
على الأقل ماذا قدمنا في العام الذي سينصرم بعد أيام قليلة؟؟ إلى متى ونحن على هذا الحال.. لاهين....عابثين.... على الطريق غير سائرين؟! إلى متى ونحن مفرطين متفرجين.... ننتظر .... نتتظر ماذا؟ أنتنظر حتى يداهمنا ملك الموت؟! ثم يلقي بنا في القبور؟ ولاندري أيزج بنا الى النيران أم نزف إلى الجنان؟ فلابد علينا أن نواجه أنفسنا ... ونحاسبها محاسبة شديدة؛ ولا نقبل أعذارها الواهية فلايكون المؤمن مؤمنا حقا .... ولا يكون المؤمن كيسا فطنا ...حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبته لشريكه.

لكن يحاسبها على ماذا؟؟

أولا: الإخلاص لله تعالى في أعماله وعباداته
قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "إنك لن تُخلَّف، فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة، ورفعة"(1) . عام كامل زحف نحو الوراء.. كم مرة تستطيع أن تقول بصدق أنك أخلصت في هذا العمل؟ وهل يستطيع المؤمن أن يعرف - قبل الآخرة - إن كان هذا العمل مُخلصا أم لا؟! نعم يستطيع كل واحد منا أن يعرف أقُبل عمله أم رد في وجهه! هناك علامات على قبول العمل ورده منها:-
سؤال الله عز وجل ، والتقرب إليه بهذا العمل الصالح المخلص
كلنا يعرف الحديث الصحيح الذي قص علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قصـة النفر الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار في الجبل؛ فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم وأخلصها، فكان كل واحد منهم يتوسل إلى الله بصالح عمل قدمه، ثم يقول: "اللهم إن كنت تعلم أني فعلته ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء"؛ فكانت تنفرج في كل مرة شيئا يسيرا؛ قال: "ففرج عنهم" حتى خرجوا يمشون. فاستجابة دعائهم دليل على أنهم توسلوا بعمل علم الله أنه كان مخلص (2).
الراحة النفسية، وشفافية الروح بعد العمل الصالح وجلاء القلب من الأدران
وهذه أكثر ما يشعر بها الإنسان في قيام الليل وذلك أن مقتضى الإخلاص قائم وهو الإنفراد مع الرب سبحانه؛ فلا عين ترى إلا عينه سبحانه، ولا سامع يسمع إلا هو جل شأنه، وهكذا كلما أخلصت في العمل شعرت بلذة نفسية عظيمة وكبيرة فإن الرب شكور سبحانه، فإنك إن أخلصت له أجزل لك المثوبة من الحياة الطيبة، قال تعالى: { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحييينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } (3).

قال ابن القيم رحمه الله: (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه- يقول إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحا فاتهمه فإن الرب تعالى شكور يعني أنه لابد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه وقوة انشراح وقرة عين فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول) (4).

ثانيا: متابعة السنة
حيث أنها الركن الثاني الذي لا يقبل العمل إلا بتوافرهما؛ بل إنها المحك الذي يبين الصوادق والكواذب من الأعمال والعاملين؛ قال تعالى: DecoType Naskh"; mso-hansi-font-family: "> DecoType Naskh"; mso-bidi-font-family: Arial; mso-bidi-theme-font: minor-bidi"> DecoType Naskh"; mso-hansi-font-family: "> DecoType Naskh"; mso-bidi-font-family: Arial; mso-bidi-theme-font: minor-bidi">{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } DecoType Naskh"; mso-hansi-font-family: "> DecoType Naskh"; mso-bidi-font-family: Arial; mso-bidi-theme-font: minor-bidi"> (5 ).

فكم من مرة في عامك المنصرم تستطيع وبدقة أن تقول: هذا العمل جئت به على السنة المحضة؛ وهذه العبادة من صلاة ووضوء أقمتها كما أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم؟! إننا - معاشر المسلمين - لابد أن نحاسب أنفسنا على دقة العمل وكونه على السنن، ليس فقط على الكم. فإن الغبن - حقا- أن تذهب الأعمال في غير سنة سديدة وعلى مر السنين والإنسان يظن أنه يحسن صنعا؛
{ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنع } (6).

ثالثا: التفريط في معاملة الخلق
صغارا وكبارا؛ ذوي رحم وقرابة؛ أومسلمين لهم حق الإسلام مريضهم؛ صحيحهم ومن أعظمهم حقا الوالدان؛ والزوج بالنسبة للمرأة؛ فإن الآيات والأحاديث في شأنهم كثيرة، معروفة؛ وكذلك الأبناء؛ فإن كثيرا من الآباء والأمهات لايرون لهم حقا إلا الأكل والشرب وتوفير المسكن والملبس! ثم لا يكاد يعتني بصلاتهم ودينهم! فكم من مرة - أيها المسلم - ناقشت مع ابنك أوابنتك موضوعا من موضوعات الدين؟ على الأقل في عامنا هذا! كم من مرة كان همك الذي يقض مضجعك هو ضعف دينهم لا مرضهم؟! تدارك العجين قبل أن يجف والطين قبل أن ييبس وانقش من الآن على الحجر.

رابعا: التقصير في النوافل
هذه الأيام تمضي وقد مضت... فبالله عليك لو كنت قد صمت قبل خمسة عشر عاما صيام نفل .... أيام بيض أواثنين أو خميس هل تذكرها الآن ؟؟! ولو تصدقت من قبل ثلاث سنوات فهل تذكرها الآن؟ أوكنت قمت الليل قبل خمس سنوات هل تذكرها؟ هل تذكر تعبها.. نصبها .. كدها؟ وكذلك لو نمت وأكلت وشربت وتنزهت لن تذكر لذتها! كثيرا من الأفعال ننساها..فما بقي إذن؟! بقيت الطاعة عند علام الغيوب... وبقيت محبة الرحمن لك.. فلو صمت منذ خمسة عشر لكان الرحمن - سبحانه - محبا لك منذ ذلك الوقت. فهو يقرب منك - سبحانه - بقدر ما تقرب منه؛ "ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه"(7)، وقد نسيت التعب والنصب، فأنت واللاهي سواء في نسيان العمل لكن لمن عقبى الدار؟!

فالبدار البدار...


نسير إلى الآجال في كل لحظة
وأعمارنا تطوى وهن مراحل
*
ترحل من الدنيا بزاد من التقى
فعمرك أيـام وهن قلائـل

فالأيام تطحن الأعمار طحن القمح في الرحى.. ثم تذرى الأعمال أدراج الرياح؛ ولايبقى إلا ما رضيه الله سبحانه، وأحبه من الأقوال والأفعال.


إنا لنفرح بالأيام نقطـعها
وكل يوم مضى يدني من الأجل
*
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً
فإنما الربح والخسران في العمل

وهكذا - يامسلم - بادر الأيام بالعمل الصالح، واطحنها بالفرائض والنوافل قبل أن تبادرك هي بموت أو عجز، وقبل أن تطحنك بغفلة أو عوز!


وما هذه الأيام إلا مراحـل
يحث بها حاد إلى الموت قاصد
*
وأعجب شيء لو تأملت أنها
منازل تطوى والمسافر قاعد


0 تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting