أحمد و فواتير الماء

أحمد و فواتير الماء.

هل تعلمون أنه في تونس.. هناك نظاما معينا لاستخلاص فواتير الماء.. من لا يدفع ما عليه.. يرسل له انذارا أولا, فثانيا, فثالثا (أظن).. ثم هناك عونا يذهب لبيته ليقطع عنه الماء..و لإعادة نشغيل الماء هناك مبلغا كبيرا يجب دفعه (الى جانب ما تخلد بذمته) و العملية معقدة و ليست سهلة..
فتجد في كل منطقة.. عونا مكلفا بقطع الماء على كل من لم يستطع دفع الفاتورة..
باختصار شديد.. أحمد اتّصل بأحد الأعوان (بعد جهد جهيد).. في احدى المناطق الفقيرة في العاصمة..
و أعطاه مبلغا ماليا بسيطا و قال له: "هذا.. لتسترني".. قال له "أسترك؟" قال "نعم.. سأذهب معك في جولتك.. كل من لا يستطيع الدفع..أسدد عنه بدل أن تقطع عنه الماء.."
العون استغرب..من أي كوكب جاء هذا الرجل؟ قال له" أنت متأكد؟ أنت لست مجنون أو تمزح؟" المهم أقنعه أحمد بالعملية.. و ذهب معه من بيت الى آخر.. الى أن أنفق المبلغ الذي معه.. بيوتا عديدة أنقذها بفضل الله من قطع الماء..
و حمد الله على التوفيق.. فقد اكتشف أن أغلب المبالغ بسيطة و زهيدة.. يعني 20, 30 و 40 دينار.. هذا كل ما في الأمر.. و رأى كيف أن هؤلاء الفقراء لا حول لهم و لا قوة.. يحرمون الماء بسبب مبالغ زهيدة كهذه..
أحمد استمرّ مدّة في هذا العمل.. الى أن افتضح أمره.. فقد بدأت شائعات تخرج في الحي أن هناك رجلا من السماء يأتي و يدفع الفواتير.. فأصبح هناك من يتعمد عدم خلاص فواتيره.. متكلا على فاعل الخير دافع الفواتير..
أحمد لم يتنازل عن العمل.. انما أصبح يغير الأحياء و المناطق..
و الله أعلم ببقية القصة فهذا ما وصلني منها..
يكفي أن تتخيلوا أن امرأة عجوز.. كانت تذهب كل يوم بالحافلة الى مكان بعيد نوعا ما فيه حنفية للسبيل.. تعبأ قوارير تحملها على أكتافها..كل يوم.. أسابيع و هي على هذه الحال تتأهب لقطع الماء عنها و عن أولادها.. و تخيلوا دمعاتها يوم جاء الفرج.. و سددت كل ديونها.. و أكثر من هذا.. حينما رأى أحمد بعينه الحالة التي عليها المرأة.. لفّ المل الذي كان في جيبه يومها في ورقة.. و رماه من النافذة و انصرف.. و أتخيل أنه متشوق ليوم يكشف الله له فيه موقف العجوز و سعادتها بذاك المبلغ...