قال الشيخ:
حينما كنت شابا.. كنت عاديا.. أحفظ ما تيسر من كلام الله و طموحاتي كطموحات أي شاب.. أريد عملا مستقرا و بيتا متواضعا و زوجة صالحة. و لازمت القرآن فقد كنت أحبه و كان هو هوايتي و راحتي و صاحبي. أنتهي من عملي و أسرع للمصحف.. لم أجد رفيقا في الحياة الا هو.
و جاء يوم.. سمعت أنّ جارتنا مريضة بالسرطان عافانا و عافاكم الله..
تألّمت كثيرا و دعوت لها.
الى أن جاء زوجها يدق الباب وهو في حالة يرثى لها.
قال لي: أنجدني.. الأطباء يئسوا من حالة زوجتي.. يقولون أنها ستموت في أيام.. انقذني!
قلت له: لكن و كيف أنقذك؟ و بما أنقذك؟
قال: ألست تحفظ القرآن؟ اقرأ عليها.. أليس دواء كما يقولون؟
استغربت كثيرا..
أولا لأني لم أرقي يوما شخصا و لم يرقني أحد.. و لم أكن أعرف رقية معينة و لا علما في الموضوع..
و استغربت أيضا لأن جاري هذا سكير عربيد مدمن على القمار.. لم يترك فاحشة الا ارتكبها و جاهر بها.. فكيف خطر بباله أن يطلب مني الرقية و كيف وضع الله في قلبه كل هذا اليقين؟
الأمر غريب.. لكني عرفت أن ربي ما أرسله لي صدفة.. و لم أكن مخيرا.. فلم أكن أعرف شيخا يرقي.. و أحسست أن الرجل له ثقة كبيرة فيا.. فقبلت و ذهبت معه الى بيته.
دخلت البيت الفخم. أصنام و زجاجات خمر و أرائك للسهر و الترف.. كما توقعت..
و دخلت فوجدت المرأة و قد اشتد بها المرض.
في تلك اللحظة يا بني.. أوّل مرّة أعرف ما معنى "النية".. أحسست أن شيئا في قلبي تحرّك.. و أنّه رغم أنّي سأقرأ ما تيسر و أخرج فالعمل واضج الا أن قلبي خفق و كأنّه طمع في ما هو أعظم..
فقلت في قلبي "يا رب.. أمتك هذه أمرها كله بين يديك.. ان شئت شفيتها.. و أشهدك يا رب.. أني لا أريد أن يقال عني سببا في شفائها.. بل أطمع في أكثر من شفائها.. أطمع أن تهدي بي العائلة أيضا"
و فعلا.. في لحظة ألهمني الله هذا الهدف: أن أدعو الى الله من خلال الرقية..
فقبل أن أقرأ.. طلبت من الزوج أن أقابله على انفراد..
قلت له أن حالتها خطيرة.. و بالغت في اظهار ثقتي في ما أقول و سيطرتي على الوضع..
قلت له: ان كنت تعتقد أني أشفي فلن أرقيها.. و دعني أخرج.
أما ان كنت تعلم أن الشافي هو الله فاسمع مني..
دواء زوجتك معك..
و الرجل مذعورا..خائفا متمسكا بي كالغريق.. واثقا في كلامي.. بدأ يسمعني كالطفل.. مستعد لكل شيء.. أي شيء لينقذ زوجته.
قلت له: يجب أن تصلي في اليوم 12 ركعة.. نافلة طبعا (و كنت أعرف أنه لا يضلي الفرض.. فلو صلى النافلة قد يهديه الله و يستحي و يصلي الفرض) و تقول في كل سجود هذا الدعاء.. و قلت له دعاءا بسيطا مرتجلا.. و هو يكتبه و يخشى أن ينسى منه حرفا.. و يجب أن لا تقترب من زوجتك قارورة خمر في شعاع قدره عشرون مترا.. منم كل النواحي (و احتسبت أن يبعد الخمر من بيته لكن أيضا من بيوت جيرانه فقد كانوا جلساؤه و له تأثير عليهم). و تكسر هذه الأصنام الآن..
فراح يكسرها و هو يصرخ.. لعنك الله و شفى زوجتي.. لعنك الله و شفى زوجتي..
و تركته على هذا الحال و قرأت ما تيسر و خرجت من البيت.
بعد مدة قصيرة.. (قالها الشيخ و نسيتها) شفيت الزوجة سبحان الله!
شفيت تماما.. شفاها الله..
و الرجل أصبح لا يفارق الصف الأول في المسجد..
و تاب هو و من حوله.. حتى اني تمنيت لو قلت خمسون مترا و ليس عشرين.. لكانت توبة "للحومة" كلها..
و من يومها.. بدأت الطلبات تكثر..
و جاء الناس من كل مكان..
و كنت أتّخذ من المرض مدخلا للدعوة الى الله..
و كم من مريض أتاني و هو فاجر مجاهر.. و الآن هو حافظ لكتاب الله..
و أصبحت أستغل المرض لأدخل القلوب بفضل الله..
و أدعو الى الله
و لم يخيبني الله يوما..
كل من يأتي يشفيه الله على يدي.. مهما كانت حالته و خطورتها.
و بدأ بيتي الصغير يمتلأ..
و يمتلأ
و يمتلأ
و من مصروع الى مسكون..
أصبحت أغير الصالون مرتين في السنة لأنه في حالة صرع تكسرت..
كما أنني أصبحت أستهلك مواد تنظيف و مصاريف..
و مرتبي ضعيف..
لكني كنت أذكر نفسي بنيتي.. فأحمد الله..
و كل يوم يدخل عشرات المرضى فيخرجون أصحاء و مهتدون بفضل الله..
الى أن ضاق بنا البيت..
و لم أعد أستطيع تحمل المصاريف..
فتركت الصالون مهشما.. و لم أغيره..
و ضاق الحال بزوجتي و أبنائي..
و ابتليت في عملي..
و أصبحت و الحمد لله في حالة من الحاجة لا يعلمها الا الله.
و في تلك الفترة..
سلّط الشيطان عليّ من حولي..
فبدءوا بنصحي بأن آخذ مقابل لخدمتي..
و كل كلامهم مطابق للسنة..
كله في "الجائز"
النصابون السحرة يأخذون 100 دينار و أنت خذ 10 دنانير فقط و لو وجدت أحدهم فقيرا لا تأخذ منه..
لا.. لا تأخذ لكن اقبل الهدايا.. فقد قبلها الحبيب صلى الله عليه و سلم
أنت تأخذ مقابل وقت أو خذ ما يغطي مصاريفك فقط.. و هذا حلال..
و الزوجة من هنا
و الأبناء
و المشايخ
و الأصحاب
كلهم اجتمعوا علي
و كنت متمسكا برأيي
فقد عودت الله بشيء فعودني بشيء.. فأخشى أن أغير فيغير سبحانه..
الى أن جاء يوم..
و انا في طريق العودة من العمل..
قالت نفسي" احسبها.. لو تأخذ 10 دنانير فقط من كل مريض.. أليست هذه مليون في اليوم؟ أي في يوم واحد تكسب ما يغير لك الصالون .. تستطيع تغييره كل يوم.. يعني 30 مليون في الشهر.. الله أكبر.. 100 ضعف مرتبي الحالي..
هذا اذا اكتفيت بال10 دنانير.. أما اذا قبلت هدايا البعض.. فسأصبح من أثرى الأثرياء.. و أؤمن لأبنائي حياة كريمة.. و هذا فضل الله علي..
و بدأت الفكرة تراودني..
و أكثر ما شجعني عليها أنها كلها في الحلال..
و "سكنت" الفكرة في مخي..
سكت الشيخ قليلا..
و واصل :
تعرف يا بني.. أقسم لك.. طوال الأسبوع الذي فكرت فيه هذا التفكير (فقط فكّرت.. لم أبدأ التطبيق).. كل من يدخل علي.. يخرج و قد اشتد به المرض.. بل أن هناك من مات.. و لم يشفى أحد..
ألف مريض تقريبا.. تعكر حالهم على يدي..
يومها.. قلت سبحان الله.. هذا فقط لتغير النية..
و سكت الرجل و صعب عليه الغوص أكثر في ما أخفاه سنين طويلة..
و تنهد و جمد الله و قال: أحسست أني قد أفتن.. و حينها قررت أن أتفرغ لتعليم القرآن.. و تلامذتي اليوم.. هم مرضى الأمس.. كانوا كلهم على حال من الفساد و الحمد لله اليوم أتابع معهم حفظ كتاب الله..
و التفسير
و الفقه
و تركت أمر الرقية..
تركت خيرا لخير أكبر منه..
لكن تعلكت أن النية يا بني.. ليست "باهية" أو "خايبة" بل أن هناك درجات.. و أنك يجب أن تختار لنفسك الدرجة التي تريدها و أن تعمل لها.. و أن تعاهد الله و ألا تبدل..
و سكت الشيخ..
اعتبرتها رسالة من الله الي.. و الينا..
فهمت معنى "انما الأعمال بالنيات".. أو أحد معانيها..
و الحمد لله رب العالمين..
و لننظر اليوم ماذا نريد أن نكون؟ أين نريد أن نكون؟ ما هي حقيقة نوايانا؟ و كيف نتاجر من نوايانا مع ربنا؟..
0 تعليقات:
إرسال تعليق