احمد و العائلة 2

أحمد و العائلة – الجزء 2
الحديث الذي وجده أحمد و غير حياته, بل غير حياة العائلة كلها.. و ربما عائلتنا الآن ستتغير معالمها.. هو قوله صلى الله عليه و سلّم: { من سرّه أن يُبسط له في رزقه وأن يُنسأ له في أثره فليصل رحمه}
ذهل أحمد, ما علاقة صلة الرحم بالرزق؟؟ و فكّر أن الحديث ربما يتوجه الى من يبرر مثلا تقصيره في زيارة أرحامه و السؤال عنهم أو قطعه للرحم مع أبناء عمه من أجل الميراث .. بحرصه على الرزق.. و هذا عين الحمق..لأن الرسول صلى الله عليه و سلم يرد على هؤلاء و غيرهم بأن الرزق و بركته و سعته تكمن في وصلك رحمك فكيف تفعل العكس؟
ثم لم يكتف بهذا التفسير.. و لا غيره من التفاسير التي قرأها.. بل عاد إلى إيمانه الفطري.. إلى التسليم البريء و المطلق لأوامر الرسول صلى الله عليه و سلم.. فقرّر أن يجعل صلة الرحم تماما كالتسويق و الدعاية و اشتراء المعدات و ضبط الأسعار: أي خطوة من الخطوات التي سيتبعها للاسترزاق.. بل أنه جعلها خطوته الأولى.. لما؟ لأنها أكثر خطوة يثبت بها لربه ايمانه بالغيب.. انه سيري من خلالها لربه أنه يؤمن بأشياء غير محسوسة و لا ملموسة.. فقط لأنها جائت على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم.. (و هذا عين التفويض و التسليم و الايمان المجرد من الفلسفات و اللسانيات)..
توكل على الله..
استخار..
نام مطمئنا و سعيدا..
استيقظ ) و هو منشرح و صدره يفيض بالأفكار..
الفكرة التي اختارها.. هي أن يستغل "ما رزقه الله: الكمبيوتر و الآلة الطابعة""و ما علّمه الله: التصميم و الطباعة" لتكون وسيلته لصلة رحمه..
كيف ذلك يا أحمد؟ ببساطة شديدة.. قرر أن يعدّ هديّة يستعمل فيها كل ما منّ الله به عليه.. تنبع من صلب "عمل المستقبل".. لأنه أراد "لطموحاته المهنية" أن تنبع من "التوجيهات النبوية".. و ليس العكس.. أراد أن يجعل عمله عبادة.. و عبادته عملا..
الفكرة باختصار: صمّم شهادة "القريب المثالي" المشخّصة باسم كلّ قريب له.. مثلا لخاله كتب "جائزة القريب المثالي لخالي فلان بن فلتان" و تحتها جملة يفسر فيها الاختيار "لوقوفه مع المهمومين في أزماتهم و تفريج كربهم" ثم "شهادة أخرى لعمّته مثلا "جائزة القريبة المثالية لفلانة لكرمها و تواضعها و حسن معاملتها للأطفال"..الخ و هكذا دواليك.. صمّم شهادات تشبه في شكلها "الدبلومات" بألوان أنيقة و متناسقة.. و اختار من كل قريب "الصّفات" التي فيه و تجاوز عن العيوب أو المشاكل ان كانت هناك..
و بدأ يتوسّع.. اخوته, أعمامه, أخواله, أبناؤهم, بناتهم.. ثم اختار من يعرف من بقية العائلة الكبرى..
ثم سأل أمه عمن لا يعرف.. فأخبرته بحكاياتهم: هذا سافر, هذا مات, هذه مريضة مرض مزمن, هذا لا يكلمهم من أجل الميراث, هذا أصبح له منصب.. فأصبح يترفع عنهم..الخ.
بكى أحمد.. اكتشف أنه "قاطع رحم" بدون أن يدري.. رغم أنفه..
طلب من أمه و من جدته أن تعطياه أسماء كل هؤلاء و بعض صفاتهم..
أحيانا تقلن عن أحدهم "هذا ظالم متغطرس لم نر منه الا الشّرّ" فيجيب بسرعة "لا, أريد ميزة فيه.. " فتقلن له أنه لا ميزة فيه.. فيصر اصرار الطفل العنيد الى أن تظطر احداهما و لو لإسكاته أن تقول له مثلا "كان وسيما" أو "كان يبتز غيره ليطعم اطفاله" فيكتب أحمد "لحبّه لأبنائه و حنّه و عطفه عليهم".. و هكذا دواليك..
عمل قائمة بأشخاص لا يعرف حتى عناوينهم ..
لم يكن يهتم بالعناوين و لا حتى بإرسال الدبلوم اليهم.. فقد كان سعيدا لاكتشافهم من ناحية و من ناحية أخرى اعتبر هذه فرصة ساقها الله اليه.. و كان يعتبر نفسه "شغّال" عند ربّه: يكتفي الآن بمهمة جمع المعلومات و اعداد الدبلومات.. هذا في حد ذاته سيحقق له هدفه بإذن الله و هو توسعة الرزق..
على ذكر الهدف.. من غير أن يشعر.. أحس أحمد أن فيه شيئا تغيّر.. أحسّ أن هدفه يتغير ببطئ.. أصبح هدفه أكبر من سعة الرزق.. و كأن سعة الرزق أصبحت تحصيل حاصل.. نتيجة حتمية لاتباع الهدي النبوي و الامتثال لأوامر الله.. لكن الهدف أصبح شيئا فشيئا: مرضاة الله.. و حبّه..و التقرب اليه بهذه الأشياء البسيطة.. فأصبح يحتسب كل الأوقات التي يمضيها مع أمه أو أمام الكمبيوتر.. كلها في سبيل الله باذن الله.. و ربما هذا من بركة نيته الأولى.. بأن جعل الله حتى النية تتغير الى الأفضل.. طلب القليل بصدق.. فمنّ الله عليه بالكثير..
لا اله الا الله..
بل حتى طريقة التصميم بعد مراحل عديدة من الابتكار و التغيير المستمر و الصقل أصبحت ناضجة و مكتملة أكثر.. اذ أنه رسم شجرة العائلة (بالأسماء و بلا صور لأن تعليق الصور سيمنع دخول الملائكة لو علقوها على الحائط)
رسم شجرة العائلة و كبّر اسم القريب المعني بالدبلوم و وضع له لونا خاصا..
كان و هو يعد الشجرة و الدبلوم لكل العائلة.. فردا فردا.. يستشعر الأحاديث النبوية مثل"تهادّوا تحابّوا" أو أحاديث صلة الرحم التي تعرفونها.. و كيف أن الله اشتق لها اسما من اسمه "الرحمان" و " الرحيم" .. أحس بتعظيم شعائر الله و هو يسخر كل هذا الوقت لصلة الرحم "بطريقته"..
أحس كأن حبّ الله يزداد في قلبه مع كل ثانية يمضيها في هذا الموضوع.. أحس أنه عثر أخيرا على طريق يؤدي مباشرة الى مرضاة الله.. أحسّ بأن القصة كلها توفيق من الله سبحانه.. حمد الله كثيرا و هو يحرك الماوس.. كان يرى في حركات الماوس على التّابي حركة في سبيل الله.. كان يرى في عرقه الصيفي و هو ساهر أمام الكمبيوتر.. عرقا في سبيل الله.. و يوم أصيب بصعقة كهربائية من الكمبيوتر احتسب و اعتبرها من "مضاعفات الأجر" و ربما كانت دليل قبول من الله..
المهم أنه أتم الدبلومات و الشجرة العائلية و طبع منهم نسخ على عدد أفراد العائلة.. و استغرب أن كمية الحبر كفته ليخرج 800 ورقة في حين أن المصنع يقول أنها لا تكفي الا ل200 ورقة رغم أنه استعمل ألوانا كثيرة.. و اعتبر أن هذه من أول بوادر صلة الرحم و تأثيرها على الرزق..
و طبع ما طبع و هو في حالة من الايمان و الخشوع و التذلّل و السكينة و الإطمئنان..
و قبل أن يتم الطباعة يدخل عليه صديق ليخبره أن هناك زبون في الطريق... رجلا يريد أطروحة دكتوراه له..
سجد سجدة شكر على سرعة الاستجابة و بركة صلة الرحم.. رغم أنه مازال لم يفرّق و لو ورقة واحدة منالدبلومات على العائلة..
و احتفل بأول "طلبية" بطريقته الخاصة: قيام ليلة و صيام نهارها..
و سعد الرجل للجدية التي التمسها عند أحمد رغم صغر سنه.. فقال له " أنا أستاذ جامعي.. سأطلب من كل الطلبة الذين أدرسهم في قسم التخرج أن يطبعوا عندك كتب التخرج .. المهم أن تحافظ على هذا المستوى من الجدية.."
...
...
...
القصة حدثت في تونس..
و الآن أحمد صاحب شركة من كبريات الشركات في مجالها..
و كل ما تحقق شركته أرباحا.. يتصل بأقاربه.. لكن يتصل اتصال شكر لا اتصال استرزاق.. ليري الله أنه لا يزال على عهده.. و أنّ السبب في كل الخير الذي هو عليه: توفيق الله له بامتثاله لأوامر الله سبحانه و نبيه صلى الله عليه و سلم..
كان يتصل بهم قبل النجاح و الآن يتصل بهم بعده حمدا لله..
و أصبح يخصص جزءا من أرباحه لبرّ عائلته و اكرامهم..
بل أنه أسّس "المجلس العائلي" الذي سأخصص له ان شاء الله خاطرة مستقلة لأهميته.
...
اضطررت لتغيير بعض التفاصيل للحفاظ على سرية المعلومات.. لكن لا تغير في جوهر القصة..
...
عائلة أحمد اليوم يعطون بها المثل في الترابط .. جيل كامل من "أحمد" أخرجه الله من أصلابهم فطموهم على صلة الرحم.. بما في ذلك "المتغطرسين و الظالمين الذين جعلتهم ورقة أحمد يتغيرون من النقيض الى النقيض..
...
الحمد لله. انتهى.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting