5. لا تبك على اللبن المسكوب ..
بعض الناس يعتبر طبعه الذي نشأ عليه .. وعرفه الناس به .. وتكونت في أذهانهم الصورة الذهنية عنه على أساسه .. يعتبره شيئاً لازماً له لا يمكن تغييره .. فيستسلم له ويقنع .. كما يستسلم لشكل جسمه أو لون بشرته .. إذ لا يمكنه تغيير ذلك ..
مع أن الذكي يرى أن تغيير الطباع لعله أسهل من تغيير الملابس !!
فطباعنا ليست كاللبن المسكوب الذي لا يمكن تداركه أو جمعه .. بل هي بين أيدينا ..
بل نستطيع بأساليب معينة أن نغير طباع الناس .. بل عقولهم – ربما - !!
ذكر ابن حزم في كتابه طوق الحمامة :
أنه كان في الأندلس تاجر مشهور .. وقع بينه وبين أربعة من التجار تنافس .. فأبغضوه .. وعزموا على أن يزعجوه .. فخرج ذات صباح من بيته متجهاً إلى متجره .. لابساً قميصاً أبيض وعمامة بيضاء ..
لقيه أولهم فحياه ثم نظر إلى عمامته وقال : ما أجمل هذه العمامة الصفراء ..
فقال التاجر : أعميَ بصرُك ؟!! هذه عمامة بيضاء ..
فقال : بل صفراء .. صفراء لكنها جميلة ..
تركه التاجر ومضى ..
فلما مشى خطوات لقيه الآخر .. فحياه ثم نظر إلى عمامته وقال : ما أجملك اليوم .. وما أحسن لباسك .. خاصة هذه العمامة الخضراء ..
فقال التاجر : يا رجل العمامة بيضاء ..
قال : بل خضراء ..
قال : بيضاء .. اذهب عني ..
ومضى المسكين يكلم نفسه .. وينظر بين الفينة والأخرى إلى طرف عمامته المتدلي على كتفه .. ليتأكد أنها بيضاء .. وصل إلى دكانه .. وحرك القفل ليفتحه .. فأقبل إليه الثالث : وقال : يا فلان .. ما أجمل هذا الصباح .. خاصة لباسك الجميل .. وزادت جمالك هذه العمامة الزرقاء ..
نظر التاجر إلى عمامته ليتأكد من لونها .. ثم فرك عينيه .. وقال : يا أخي عمامتي بيضااااااء ..
قال : بل زرقاء .. لكنها عموماً جميلة .. لا تحزن .. ثم مضى .. فجعل التاجر يصيح به .. العمامة بيضاء .. وينظر إليها .. ويقلب أطرافها ..
جلس في دكانه قليلاً .. وهو لا يكاد يصرف بصره عن طرف عمامته ..
دخل عليه الرابع .. وقال : أهلاً يا فلان .. ما شاء الله !! من أين اشتريت هذه العمامة الحمراء ؟!
فصاح التاجر : عمامتي زرقاء ..
قال : بل حمراء ..
قال التاجر : بل خضراء .. لا .. لا .. بل بيضاء .. لا .. زرقاء .. سوداء ..
ثم ضحك .. ثم صرخ .. ثم بكى .. وقام يقفز !!
قال ابن حزم : فلقد كنت أراه بعدها في شوارع الأندلس مجنوناً يحذفه الصبيان بالحصى !! ([1])
فإذا كان هؤلاء بمهارات بدائية غيروا طبع رجل .. بل غيروا عقله ..
فما بالك بمهارات مدروسة .. منورة بنصوص الوحيين .. يمارسها المرء تعبداً لله تعالى بها ..
فطبق ما تقف عليه من مهارات حسنة لتسعد ..
وإن قلت لي : لا أستطيع ..! قلت : حاول ..
وإن قلت : لا أعرف .. !! قلت : تعلم ..
قال r : إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلم ..
وجهة نظر ..
البطل يتجاوز القدرة على تطوير مهاراته .. إلى القدرة على تطوير مهارات الناس .. وربما تغييرها !!
0 تعليقات:
إرسال تعليق