السلام عليكم
هذه رسالة مؤثرة جدا وصلت الشيخ صفوت الحجازي.. أنشرها على لسانه لتعم الفائدة
انهم فتية آمنوا بربّهم
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام علي رسول الله.. وبعد،،
انهم فتية آمنوا بربّهم
الجمعة, مايو 08, 2009
توبة نصوحة
يقول المولي عز وجل في محكم التنزيل: "إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدي* وربطنا علي قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططاً"(الكهف/14-13).
تذكرت هذه الآيات من قصة أصحاب الكهف وأنا أقرأ رسالة وصلتني من أخت كريمة.. رسالة أثرت فيّ كثيراً، ودمعت عيني رغماً عني، فاتصلت بهذه الأخت الفاضلة وواسيتها في مصيبتها، واستأذنت منها لأنشر رسالتها ويقرأها زوار الموقع.. وهذا هو نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله البر الرحيم، ذي الإنعام والأفضال على عباده المؤمنين به وبلقائه، القانتين له المستجيبين لندائه، والصلاة والسلام على رسوله الرءوف بالمؤمنين الرحيم، وعلى آله الطاهرين وصحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: أخي الفاضل وسيدي الكريم...
خير تحية أهديها لكم من قول الله سبحانه وتعالى: "ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيراً كثيراً"، وكذلك قول سيدنا محمد ألف صلاة عليه وسلام "من دعا إلي هدي فإن له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً"
.
أ
عرف أنكم حزتم بفضل الله أجوراً عظيمة من طلعتكم البهية في برنامجكم المحبب إلىّ وإلي الكثير" رحمة للعالمين"، وحواراتكم التي تقومون بها والبسمة لا تفارق وجهكم، مع خطابكم البسيط الذي يفقهه كل إنسان في أي بلد كان، مع حرصكم في دعوتكم بالبدء بالأهم فالمهم، وقد كنتم فعلاً رمزاً للداعية الإسلامي، واتبعتم خطوات الأنبياء والرسل، خاصة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه سبحانه وتعالى: "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك". وأسأل الله تعالى أن يجعلكم من ورثة منصب الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، أنتم ومن سلك مذهبكم هذا من الدعاة... اللهم زدنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً وفقهنا في الدين... آمين. هذه كلمة حق أردت أن أ
بلغها إياكم عساني أكون وفقت فيما يرضاه الله.
وبعد التحية.. أود أن أقدم نفسي: أنا المدعوة "أم وسيم"، أبلغ من العمر 43 سنة، من أحد بلاد المغرب العربي، وأقيم حالياً بأحد دول الخليج.وأنا أم لولدين: وسيم 19 سنة، ومحمد 6سنوات. أما ابني الأوسط...... فكان اسمه "سيف الدين" عليه رحمة الله، عذراً .. فلقد مضى على وفاته سنة ونصف فقط، ولم يتجاوز في حينها عمره 15 عاماً
.
آخى الفاضل أرجو أن تقر
أ رسالتي هذه وتعيروها اهتمامكم، لأنها تصدر من قلب أم مليء بالأحزان والأوجاع، لعلي بهذه الكتابة أرفع عن صدري ما يثقله، لأضعه في صدر رحب، وأذن صاغية، وقلب رحيم. لأن ما سأكتبه لكم ليس إلا صفحة من صفحات حياتي وواقعي المعاش لعلني أستطيع أن أنفع به أماً أو ابناً أو أباً
......
كنت
أعمل معلمة في أحد مدارس بلدي الأصلي قبل سفري مع زوجي إلي الخليج، وكنت بسيطة للغاية وغير ملتزمة بأداء واجباتي الدينية
، وأنا المعلمة المربية.. سبحان الله.
و
ذات مرة.. كنت قرب التلفاز أشرب فنجاناً من القهوةوأستمع لقارئ يرتل سورة المائدة، وفجأة... انتابتني رعشة في جسدي.. وبدأت أبكى وأبكى وأبكى.. لا أعرف لماذا؟؟.. وكأنني لأول مرة أستمع إلى القرآن الكريم.. ودخل على ابني "سيف الدين" وهو لم يبلغ 12 سنة.. وكان مواظباً على صلاته، وقيامه الليل، والفجر، ويحافظ على صيام يومي الاثنين والخميس......
رحمه الله.
ولما رآني أبكي.. قال لي: ما بالك يا أمي تبكين؟! فقلت له: لا اعرف لماذا؟.. أحسست وكأنني لأول مرة أسلم. لقد كنت غبية، ولن أتخلى عن القيام بفرائضي بعد الآن....فنظر إلي والسعادة بادية في عينيه وابتسم... ووعدني أنه لن يتركني، وسيعينني على أداء الفروض في وقتها... انظروا هذه ... ابنا يعلم أمه.. وأنا المعلمة المربية.. سبحان الله. وأصبحنا نحن الاثنين ملتزمين في الصلاة، وفى القيام، وأحياناً كان يؤمني....
رحمه الله.
ونظر
ًا لواقعنا الأليم في بلدي الأصلي الذي يحرم علينا ارتداء الحجاب- خاصة المرأة العاملة- فلم أستطع ارتداء الحجاب الإسلامي الذي يرضي الله عز وجل، غير أنني تخلصت من جميع ثيابي المتبرجة، وأبدلتها بأخري محتشمة، لا ينقصها إلا الخمار. وتغيرت كل ميولي، وأصبحت لا أستمع إلا إلى القران الكريم، واشتريت الكثير من الكتب الدينية، وجعلت نصف راتبي للكتب، وبدأت بالقرآن المفسر، ثم فقه السنة وصحيح البخاري، وبدأت أقرأ السيرة النبوية.... وأقرأ كل ما يتعلق بإسلامنا العزيز
مما يقع في يدي.
و
ذات يوم.. اشتريت كتاب "التذكرة" للقرطبي، وأخذه مني ولدي "سيف الدين"، وقرأه كله، وتأثر به جداً، لدرجة أنه أصبح لا يتحدث إلا عن الآخرة وأهوالها، وكان يقول لي: أماه.. كم أود أن استشهد مثل الفلسطينيين، أريد أن أموت في سبيل الله، أتعرفين أن من يموت في هذا السن يكون شفيعاً لوالديه في الآخرة عند الله ويكون سبباً في دخولهما الجنة؟. وسمعته أكثر من مرة يحاور أخاه (ليس ملتزماً مثله) ويقول له: لن يُدخل أبي وأمي الجنة إلا أنا (ويضرب على صدره بيده)... سيجدانني أمام باب الجنة أ
نتظرهما.
أقسم لك يا سيدي الكريم أنها الحقيقة.... عذراً، وأنا أكتب هذه الأسطر تذكرته.. فانهمرت دموعي. سبحان الله.. لقد أحب ابني الله، فأحبه الله،
إنها الحقيقة.
كنت عندما
أدخل البيت أجده يرسم، وكان رحمه الله رساماً ماهراً، ولا زلت إلي الآن أحتفظ ببعض رسوماته، وكان يرسم لفظ الجلالة " الله جلّ جلاله"، وجعل من غرفته الصغيرة مصلىً صغيراً مملوءاً ببركة الله. وكان يحرص دائماً على شراء المسك، فلا تدخل إلى غرفته إلا وتستقبلك رائحة المسك، ولا يتعطر عند الخروج إلا بالمسك
.
كنت دائما
ً أحاول أن أطرد عن ذهنه التفكير في الآخرة حتى يعيش مثل أقرانه ممن في مثل سنه، لكنه كره الدنيا وما فيها، وكان هذا قبل أ
شهر من وفاته.
أصبح يذهب إلى المدرسة راجلاً، لا يريد أن يأخذه السائق، وكلما أعطيته نقوداً لشراء ما يريده من حلوى وخلافه أخذ النقود وتصدق بها على الفقراء.... كان يرحمه الله رءوفاً بالفقراء واليتامى، وكان يبكى حين يمسكه أستاذه للدراسة مساء الجمعة خشية أن تفوته صلاة الجمعة. أصبح لا يعاشر إلا الفقراء، ولقد تأثر بالداعية عمرو خالد لدرجة انه أصبح بدوره داعية صغيراً... يأتيني كل يوم ويقول لي: اليوم جعلت واحداً أو اثنين من أصحابى يصلون.. الحمد لله.. سأرتاح عندما أصل إلى العاشر
بإذن الله.
والله يا سيدي..
كما حسّن الله خِلقته حسّن خُلقه، كان ريحانتي، وكنت فخورة به، لدرجة أنني كنت أخاف عليه. عذراً......لقد عدت للبكاء
.
أصبح ولدي "سيف الدين" منعزلاً.. وكان دائم الذهاب إلى المقابر، يقرأ القرآن على الأموات، وكان لا يحس بالراحة والأمان إلا في المقابر والمساجد، في حين أن والده مسئول عن السياحة
في بلدنا....سبحان الله.
وذات يوم.. قال لي: أمي... رأيت في المنام كأنني ممدٌ على الأرض، ومغطى بغطاء أبيض، وحولي أبناء خالي: شكري ونائلة وكوثر وخالتي فوزية (انتبه إلى الأسماء يا سيدي). فاستغربت لهذه الأسماء.. وفسرتها على كونها الشكر لله، والفوز بالجنة، والشرب من حوض رسول الله، ولكنني سارعت وقلت له: استعذ بالله يا ولدي ولا تفكر في هذا،
إنها أضغاث أحلام.
و
بعد عدة أيام.. رأى وكأن ثوراً ضخماً أسود اللون ينطحه فأسقطه في حفرة، وبعد ذلك أتيت أنا وأمسكت الثور وهدأته وقلت له: تستطيع أن تمر
....
و
بعد شهر من هذه الرؤيا.. فاجئني زوجي بمجيئه إلى مدرستي التي أعمل بها وقال لي: إن "سيف الدين" نقل إلى المستشفى لأن قلبه توقف وهو في امتحان الرياضة البدنية. تركت كل شيء.. وانطلقت كالمجنونة إلي المستشفى.. ولا أتذكر إلا وأنا أحمله بين ذراعي.. وأنا أردد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله...ففتح عينيه وقال لي: أمي.. قولي لهم أن يخدرونني لأني أتألم كثيراً. ثم فقد وعيه، وكانت هذه هي آخر كلماته رحمه الله، ثم دخل العناية المركزة، وبقي بها 10 أيام، ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى فجر يوم الثلاثاء 7 مايو 2003
...
أقسم لك يا سيدي.. لقد
بكت عليه الأرض والسماء في ذلك اليوم.. كانت السماء حمراء وصفراء، وهطلت الأمطار بغزارة، وهبّت رياح قوية حتى أن نوافذ المستشفى تكسرت، أقسم لك يا سيدي أني صادقة وغير مبالغة... لن أنسى هذا اليوم ما حييت.. لا إله إلا الله.. والله أكبر.. وسبحان الله العظيم... إلهي.. ما أعظم شأنك.. ترينا كل يوم.. ونحن في غفلة عنك.. نرجو رحمتك وغفرانك..
يا ربنا يا رحيم.
أتعرف
يا سيدي كم حضر من الناس في موكب دفن ولدي؟.. صدقني لا يعدون من كثرتهم، لقد انقلبت البلدة بأكملها.. كل من سمع به سواء من خلال الجرائد أو الأصحاب أتى مسرعاً، ولا أعد لك كم برقية تعزية أتتنا، كل من رأى ابنى أحبه لجماله الخلقي والخلقي. سبحانه وتعالى أحب ابني، فأحبه كل من بالأرض والسماء... ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم- في معني الحديث-: "إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال إني أحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض"
.
و
عندما آن أوان حمل نعش ولدي والخروج به من المنزل.. ثبتني الله سبحانه وتعالى بالقول الثابت والعمل الثابت والحمد لله.. وخرجت من فمي كلمة واحدة وأنا أودعه.. "الله أكبر"... قلتها بكل قوة.. فرددها جميع الناس.. وصار الكل يردد.. "الله أكبر.. الله أكبر".. وخرج ابني على اسم الله العظيم والتكبير.. "الله أكبر".. وأكبر من كل كبير. اللهم اغفر لنا وارحمنا... الحمد لله الذي ثبتني فما صرخت، وما شققت ثيابي، وما لطمت خدودي. ولما خرج التف من حولي ناموس صغير.. لم أستطع
تفسيره حتى الآن.
رحم الله ولدي "سيف الدين".. وأدخله فسيح جناته، وجزاه عني -أنا أمه- خيراً. لقد كان النور الذي أري به، والبلسم الذي يداوي جراح كل من حوله... رحم الله ولدي وقرة عيني.. "سيف الدين".
هذه لمحة من حياتي.. وكانت أعظم منقلب في حياتي، لأنني سارعت بعدها بارتداء الحجاب، وهاجرت أنا وزوجي إلى الخليج، وواظبت على صلاتي وعباداتي، وأديت العمرة بصحبة زوجي وابني الصغير، وقمت بعمرة لابني "سيف الدين" رحمه الله، لأنه كان يقول لي: إذا نجحت في البكالوريا، فجائزتي تكون عمرة. أرجو من الله أن يصل ثوابها له ويرزقه الجنة..
آمين.
أتعرف
يا سيدي.. بماذا دعوت عند الحجر الأسود؟ لقد طلبت من الله أن يبدلني حب ابني "سيف الدين" بحب الله ورسوله.. ويزيدني إيماناً وتفقهاً في الدين، وسبحان الله.. لقد استجاب الله لدعائي، وأصبحت لا أنام إلا على صلاة، وأتذكر الله دائماً، وهو - سبحانه وتعالي- في قلبي، وأبكى عند قراءة القرآن، وأبكى عند قراءة ما عاناه الرسول صلي الله عليه وسلم من العذاب، وفى كل صلاة.. في كل صلاة.. أدعو الله أن يحبني كما أحب ابني "سيف الدين"، وأن يجمعني بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يُخرج من قلبي كل بغضاء وحسد وحقد لمن ظلمني. ودائماً وأبداً.. أسأل الله أن يساعدني على تنظيف قلبي وروحي من كل ما يغضب الله. وأصبحت لا أقوم بعمل إلا وانا واعية أن الله يراقبني وسيحاسبني على كل صغيرة... ولن يسمح لي بلقاء ابني في الجنة إن عصيته... لكم أخاف أن أحرم من ابني
.
وكل ما أتمناه من الله الآن.. أن يكون موتي على سجادتي، ولساني يذكره، وأنا صائمة. هذه أمنيتي
وهذه قصتي.
سيدي الفاضل
.. أرجو ألا أكون قد أقلقتكم بهذا وجزاكم الله خيرا على قراءتكم لرسالتي هذه عسى أن تقرؤوها
على تلاميذكم لكي يعتبروا.
الحمد لله الذي جعل ابني من الباقيات الصالحات، بعد أن كان من زينة الحياة الدنيا. وما أتمناه الآن أن أكمل الطريق مع من تبقى لي من أبناء، وإن شاء الله يكون لهم أخوهم مثالاً، وأسال الله أن يرزقنا حبه وحب رسوله صلى الله عليه وسلم. وشكر الله لكم وجزاكم الله خيراً. وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 تعليقات:
إرسال تعليق