الوقوف أمام رسول الله 1



السلام عليكم..
أهدي هذه الخاطرة للأخت سماح و احلام و كل من تبنى مشروع السنن أو ساهم فيه و لو باحياء سنة واحدة


الوقوف أمام الرسول صلى الله عليه و سلم..الجزء 1
هذه الخاطرة صعبة علي.. لأني لا أستطيع أن أقصها الا اذا تحدثت عن نفسي.. و الحديث عن نفسي هو : تردد قبل الكتابة, مشقة في الكتابة ثم مرارة بعد الكتابة..
اللهم خرلي و اخترلي..
تركت الأمر على الله و قررت الكتابة بما وفقني الله.. لأن الأمر لا يخصني وحدي بل يخصنا جميعا..
توكلت على الله..
...
أكرمني الله من خلال مرافقة زياد رحمه الله أو من خلال العمل بزيارة الرسول صلى الله عليه و سلم عدة مرات و الحمد لله..
و كل مرة – عكس ما يقصه الحجاج و المعتمرون عادة – تحدث معي نفس النكسة. كيف؟
لنفهم المسألة.. يجب أن أقص عليكم أول زيارة للرسول صلى الله عليه و سلم أكرمني بها الله من سنوات..
وصلت يومها المدينة في أحدى ليالي رمضان.. و كلي شوق لرؤية الرسول صلى الله عليه و سلم..
ككل المعتمرين.. طول الطريق و أنا أتخيل كيف سيكون اللقاء..
و المكان..
هل الرسول صلى الله عليه و سلم م وجود في غرفة؟ هل نرى قبره؟ ما الذي نراه بالضبط؟ أين نقف؟ هل نسلم و نبكي كما يروون لنا؟ هل سنخشع و تنهمر دموعنا؟ هل نسلم و نسترسل في الكلام؟ ماذا نقول؟
المهم.. وصلت الحرم..
ماشاء الله كم هو ضخم و متلألأ هذا الحرم..
ماشاء الله.. أضخم بناية شاهدتها في حياتي.. لا علاقة بما أراه في التلفزيون و الصور..
قمة في الفخامة و العظمة و الشموخ..
تحس بالفخر بأنك مسلم..
مكان كبييير.
دخلت.. "اللهم صلي و سلم على سيدنا محمد".. صلوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم.. صلوا عليه و سلموا تسليما..
دخلت من باب كبير.. لم أرى اسمه يومها.. و أنا مذهول.. منبهر..
بدأت أصلي على الرسول صلى الله عليه و سلم.. لكن بصغة المخاطب.." الصلاة و السلام عليك يا رسول الله.."
و أمشي.. أمشي.. قرابة العشر دقائق مشي.. و كل ما أسأل " أين رسول الله؟" صلى الله عليه و سلم يقولون لي "طول.. في آخر الممشى"..
و وصلت أخيرا.. فوجدت صفا طويلا.. رغم أننا كنا في آخر الليل..
أخذت مكاني في الصف..
أتعرفون الاحساس عندما كنا صغار و يأخذنا أهلنا الى المطار.. لانتظار أحد أفراد العائلة المهاجر الذي سيعود بعد طول غياب؟ ألا تقولون أنكم حينما ترونه ستعانقونه و تقولون له كذا و كذا و كذا.. ثم تفاجأون في المطار بأن العشرات من أفراد العائلة و من أحبابه و أصحابه جاؤوا كلهم ينتظرونه.. ربما بشوق و لهفة و حب أكبر مما تحسون به.. و أول ما يطل القريب.. يلتف به المحبين.. و أنت منهم.. و تحاول أن تجد لك مكانا بينهم و تطير كل الكلمات التي أعددتها.. حتى انك تحس بالتطفل بينهم؟؟؟ أسستم بهذا يوما ما؟ أو ربما في تهنئة صديق في زواجه أو أي مناسبة.. تفاجأ بأنك لست المحب و المحبوب الوحيد.. فتندثر في زمرة المحبين؟؟؟ أو قد لا تجد لك مكانا بينهم, أنت من يحسب أنه أكثر الناس حبا له؟؟؟
المهم.. وجدت نفسي في صف طويل...
طويييييل...
دخلت وسطه..
رجال أغلبهم عجم.. و من الصين و أندونيسيا و كل الدول الغير عربية.. فيهم السود و الهنود و الأتراك..
و أنا ماشي في الصف.. أحسست بأني مختلف عنهم..
عيناهم خلف الكحل الأثمد.. تخفي حمورة و لمعة.. نور على نور من أثر القيام و البكاء..
و عيناي ليس فيها أي أثر لقيام أو بكاء.. تقلبان في الوجوه.. و تحملقان في كل مكان.. تائهة.. لا ترسي على بر..
لحيتي "مسلوتة" حتى أني أبدو بينهم كالأمرد.. و لحاهم بيضاء.. كلها وقار و رجولة.. أينا أقرب لصفة الرسول صلى الله عليه و سلم؟
ملابسي.. ما أكثر ألوانها و "كبسانها".. و ملابسهم بيضاء نظيفة "ترفرف".. أيهما أقرب لملابس الرسول صلى الله عليه و سلم؟
رائحتي.. رائحتي كلفن كلاين أو بوص أو لا أدري أي اسم مائع بالكحول.. و رائحتهم مسك غزال و عنبرملكي و عود هندي معتق و صندل و ورد طائفي .. أيهما أقرب لرائحة الرسول صلى الله عليه و سلم؟
يمشون بهدوء و سكينة و اطمئنان وانكسار..
و أمشي باستعراب و اضطراب و حيرة و خوف..
كل منا مشيته لرسول الله صلى الله عليه و سلم..
و حينما أتى دوري..
وقفت أمام رسول الله صلى الله عليه و سلم.. أحسست أن أذناي فيهما طنين.. كأني لم أعد أسمع ما يحدث حولي..
و قلت و أنا أقرأ من كتاب اشتريته من نصبة أمام الحرم "السلام عليك يا رسول الله.. السلام عليك يا أحب الخلق الى الله.. اني أشهد أنك قد بلغت الرساله و أديت الأمانة...." ثم توقفت عن السرد و نظرت حيث الدائرة التي تخفي ورائها غرفة رسول الله صلى الله عليه و سلم.. و تذكرت الحديث الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ما معناه "اذا سلم علي أحدكم رد الله لي روحي لأرد عليه السلام".. فاستشعرت للحظة.. أن الرسول صلى الله عليه و سلم حينها يرد السلام علي.. و على من حولي.. فأرسلت بصري حولي لأرى المحبين..
يا الله..
رجال أفنوا حياتهم في حب الله و رسول الله.. سماهم على وجوههم..
رجال في السبعين و الثمانين..
أغلبهم ليسوا من العرب.. بل عجم..
يقفون كما وصفوا لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم..
يلبسون كما وصفوا لنا لبس الرسول صلى الله عليه و سلم..
يتزينون و يلتحون و يتسوكون و يتكحلون و يبكون و يتصرفون كما الرسول صلى الله عليه و سلم..
رباه..
دموعهم تنزل بلا أي تعبير على وجوههم.. فقط همسات و تمتمات هادئة .. و تحتهم "بركة" من الدموع..
رباه..
أين أنا من هؤلاء..
و انتابني الشعور ذاك.. بالاندثار وسط المحبين الحقيقيين..
أأكون من الذين يقال لك فيهم يا رسول الله صلى الله عليك و سلك" لا تدري ما أحدثوا بعدك؟" .. انا لله و انا اليه راجعون.. رباه.. من للمتطفلين أمثالي؟ رباه سلّم سلّم.. استرني أمام رسولك الكريم..
و بدأ الناس يجتمعون و الحراس يبعدونهم.. و أنا متسمر أمام رسول الله و لا أدري كيف أزحت الكتاب من أمامي.. و لساني يقول: "سامحني يا رب على وقوفي بهذه الحالة أمام رسول الله صلى الله عليه و سلم.. يا رب.. الذي اصطفاني لأقف تلك الوقفة أمام رسول الله صلى الله عليه و سلم, و كم من محب أصدق مني.. و كم من متشوق و كم من محي لسنّته في العالم لم ييسر الله له هذه الوقفة..
المهم.. لا أدري ان مرّ أحدكم بهذه التجربة: أن يكون من الأوائل في الدراسة في قسم يغلب عليه الغباء.. ثم ينقلونه الى قسم من الأذكياء و المتفوقين.. فيجد أنه بالكاد ينجح و أنه من الأواخر.. جربتم هذا؟ أو أحسستم الآن بما يمكن أن يحس به؟ هذا هو احساسي يومها.. تركت الناس تودعني في المطار.. بكلام المدح و الاطراء .. كلام يعجب و الاغترار.. حتى تحس بأنك "سلّكتها" أي نجحت تقريبا.. ثم تجد نفسك بين المحبين الحقيقيين.. فتعرف قيمتك الحقيقية..و تحمد الله على ستره.. و منه..
كالفضة تلمع بين الحديد.. و تنطفؤ بين الذهب.. هذا ان كنت فعلا فضة.. استغفر الله..
المهم.. لا أطيل عليكم.. أمضيت أسبوعا و أنا أسأل نفسي و أحاسبها: "وماذا فعلت حتى أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أقرأت سيرته؟لا. أاتبعت سنّته؟ لا. أنشرتها؟ لا طبعا. أأكثرت من الصلاة عليه؟ لا. أاقتديت به؟ لا. أحكّمته في أمور ديني و دنياي؟ لا. فعن أي حب أتشدق؟ كلها مراوغات للنفس.. و من حلم ربي بي أن أحضرني هنا ليكشف لي حالي قبل فواة الأوان.."
والحمد لله.. الأسبوع كان صعبا على النفس..
لكن آخر يوم.. وقفت أمام رسول الله صلى الله عليه و سلم لأودّعه..
أواصل بعد الفاصل ان شاء الله.. تعبت.
السلام عليكم.

1 تعليقات:

نبيل يقول...

رحم الله أخانا زياد وجمعنا به في الجنة على سرر متقابلين
اللهم اكتبه في عليين وأسكنه من رياض الجنة وبلغه أعلى الدرجات

إرسال تعليق

المتابعون

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting