حلم الشيخ




حلم الشيخ..


الشيخ صابر شيخ "ناس ملاح"

رجل طيب.. طيب جدا و خجول و بالكاد تسمعه..

أبيض البشرة ما شاء الله..

قارب الخمسينات..



و سبحان الله منّ الله عليه برضا الجميع..

يخطب كلّ جمعة في 3000 مصلّي..

لكن لم يتغيّر فيه شيء..

له تسعة أبناء..

و زوجة ريفية

و أم و أب..

كلهم يقيمون تحت سقف واحد..

و يرزفهم الله من حيث لم يحتسبوا..

لأنهم لو توكلوا على ما احتسبوا لما كفاهم المرتّب (150 دينار أي 110 دولار في الشهر).. فالحمد لله أنهم عاشوا مستورين قانعين.. لا يتذمرون و لا يسألون..

الشيخ له حياة بسيطة جدا..

في النهار يعمل.. يشتغل في أي شيء.. أحيانا ينسخ أوراق الطلبة أو يكتب لهم أو يرقن ببالكمبيوتر..

و في الليل.. يسهر مع قارورة قهوة.. يقرأ و يكتب..

و كتب كتابه الأول..

كتبه في ليالي كالحة..

أيامها أشد سوادا منها..

كلها ابتلاءات متواصلة..

كتبها باكيا..

و أثناء الكتابة..

تستعصي عليه أحيانا مسألة ف..

فيهرع للصلاة.. فيلهمه الله الحلّ..

و لا يكتب ليلا الا بعد أن يسهر على أبنائه التسعة..

و يعطي زوجته حقها..

و والداه حقهما..

جينها فقط يبدأ الكتابة..

و سنة تلو سنة انتهى من كتابه الأول..

و ذهب الى الترخيص..

قرأته هيئة العلماء..

فأعطوه الترخيص..

ثم نشر الكتاب..

و هو يلح على أن لا يكتب عليه اسمه..

غير أن الناشر ألح.. و القانون ألح أكثر..

فخرج الكتاب للنور..

كتاب أخضر جميل..

نفذت كل نسخه في تونس..

بلا دعاية ولا دراية و لا أي ضجة و لا تسويق..

فطبعت النسخة الثانية..

و نفذت بفضل الله..

و طبعت الثالثة..

و نفذت بفضل الله..

و طبعت الرابعة..

و نفذت بفضل الله..

و طبعت الخامسة..

و نفذت بفضل الله..

و طبعت السادسة..

و نفذت بفضل الله..

و طبعت السابعة..

و نفذت بفضل الله..

و طبعت الثامنة..

و نفذت بفضل الله..

و طبعت التاسعة..

و نفذت بفضل الله..

و طبعت العاشرة..

و نفذت بفضل الله..

و مازالت الطبعات متواصلة..

و ترجم الكتاب الى لغة أخرى..

و رأيته يجوب العالم بعيني..

و الشيخ لا يدري..

لا يدري في أي طبعة هو..

و لا في أي بلد ينشر كتابه..

لم يكن يهتم لمصير الكتاب..

يقول لي: "يوم أن أسلم الكتاب الى المطبعة.. أعتبر أن أمره انتهى.. فيومها.. يسجّل إن قبل مني أم لا.. و بعد القبول ما همّني من أمور الدنيا؟"

فأغبطه و أعاتبه..

أقول له "حقّك!"

يقول لي: "آخذ ما يعطيني الناشر.. و أستحي أن أطلب"

و رغم كل محاولاتي.. لم يطالب بشيء..

و الناشر استغل الفرصة..

فجعله يوافق على تنازلات كثيرة بطرق ملتوية..

و أعطاه ما أعطاه..

و الشيخ يأخذ ما يجد ..

و هو من ضائقة لأخرى..

لا يشتكي أبدا..

و لا يتذمر..

حامدا

شاكرا

كنت أسأله: "ما حلمك يا شيخ؟"

و كنت أنتظر أن يقول لي "أن أكبر أبنائي.. أن أجد حلا لسكني.." لكنه كان يقول لي "حلمي؟ أن أبني بيتا لله"

فأبتسم شفقة به..

و لسان حالي يقول "بيتا لله؟ فلتبدأ ببيت لنفسك و التسعة أبناء و والديك و زوجتك! (يقيمون كلهم في غرفتين!) "

و كأنّه يسمع لسان حالي فيردّ "كلّ شيء من الله.. نحن ننوي و نسعى و نفوّض" فأبتسم لحلم الشيخ.

و لا يهتم لشفقتي.. بل يواصل وصف بيت الله كما يتخيّله.. بفنائه و جدره و تصميمه و غرفة المطالعة و غرفة التدريس و و و .. كم أحب هذا الشيخ.. ايتطاع التوفيق بين واقع مرير و أحلام عظيمة.. كأنه لا مسافة تفصل هذا عن ذاك.. كأن حلمه يراه أمامه..

شيء واحد يجعلني أنظر للأمر بجدية: نجاح كتابه "الديني".. في وقت صعب كهذا..

(يتبع ان شاء الله)

4 تعليقات:

غير معرف يقول...

الإيمان
اليقين
التوكل التام
البساطة
الرضي والقناعة والزهد
العمل في صمت
حتي حلم هذا الشيخ الفاضل حفظه الله مثال اليقين في الله تعالي
لم تمنعه إمكانياته القليلة
لم تمنعه ظروفه الصعبة وهمومه وإبتلاءاته
من الطموح في حلمه لنيل رضا الله والتقرب منه سبحانه
نعم لما لا نجعل الطموح سمة اساسية لتعاملاتنا مع الله تعالي
والله يبارك في النوايا الصادقة
يجب أن نتعلم ألا نربط بين أحلامنا وبين ظروفنا الواقعية
لأنه حين يأذن الله تعالي ويقول كن فيكون فلا ظروف ولا شيء ولا عقبات تمنع قضائه سبحانه
فلما لا نتعامل مع الله تعالي علي أساس قدرته التي لا حدود لها
نخطيء إن تعاملنا بقدراتنا نحن فنحن لاشيء
نحن عبيد الله لانملك من أمرنا شيء
وكل ما يوفقنا إليه الله تعالي هو محض توفيق وفضل منه
إذن فلنطلب ما نشاء ولنحلم ما نشاء ولننوي نبات عظيمة
مع تحري الصدق قدر المستطاع
وإن لم يحققها الله تعالي لنا في الدنيا
سنؤجر عليها في الآخرة
يعني نحن الفائزين في كلا الحالتين
سواء تحققت أحلامنا في الدنا أو تأخر ثوابها في الآخرة
فربنا هو الكريم سبحانه لايعجزه شيء وهو علي كل شيء قدير

غير معرف يقول...

الثقة واليقين والصدق والتوكل التام وحسن الظن مع الطموح
إن تعاملنا بكل هذا فوالله الذي لا إله إلا هو لوجدنا كل الخير والبركات في كل خطوة في حياتنا وبعد مماتنا ويوم العرض علي الرحمن الرحيم

غير معرف يقول...

بارك الله فيك أخي
ننتظر الباقي بشوق كبير
ننتظر لنتعلم ونعتبر

غير معرف يقول...

قال الله تعالى

" زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة و الأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المآب. قل أؤنبئكم بخير من ذلكم؟ للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، خالدين فيها، وأزواج مطهرة، ورضوان من الله والله بصير بالعباد".


من أي مادة خُلق قلب هذا الشيخ ؟!!

هل هو قلب كقلوب الناس؟

لا..... لا أعتقد هذا

إنه قلب نزع الله منه حب الدنيا انتزاعا

لا مكان فيه لهوى أو لرغبة أو متاع من متع الدنيا

أحسب أن هناك مفاجآت لهذا الشيخ الزاهد في الحلقة القادمة

أليس كذلك؟

إرسال تعليق

المتابعون

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting