الخميس/ العاشر من ذي الحجة ... يوم النحر 4



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الخميس/ العاشر من ذي الحجة ... يوم النحر
أول أيام عيد الأضحى.... الله أكبر


تابع 4 –

صدرت التعليمات الحاسمة
أنهوا الزيارة سريعا، وعودوا فورا إلى الفندق، لأن الوالد يريد زيارة مسجد قباء، وسنصلي العصر هناك بإذن الله..

واتجهنا نحو المسجد القديم.....
أول مسجد أسس في الإسلام
المسجد الذي امتدحه ربنا سبحانه وتعالى في محكم آياته لأنه أسس على التقوى من أول يوم:

{ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ} (التوبة 108)

ومضينا.... مقتفين آثار الأنصار والمهاجرين، وهم يهرعون إلى هناك، ليستقبلوا الحبيب المحبوب، صلوات ربي وسلامه عليه، تسبقهم قلوبهم وأرواحهم، حتى التقوا بقرة عينهم ومهجة فؤادهم...

ياااااااااااااااااااااألله..................
وطلع البدر عليهم، من ثنيات الوداع.....
واختارهم الله لنصرة خاتم أنبيائه ورسله...
وفازوا بنعيم صحبته...
وسعادة القرب منه.......
بما صدقوا الله ما عاهدوه....


قالوا: ما لنا إن نحن وفينا
قال: لكم الجنة
قالوا: رضينا... لا نقيل ولا نستقيل...
رضي الله عنهم وأرضاهم، وألحقنا بهم في عباده الصالحين..


سبحان الله....
قباء لها طابع خاص....
بيوتها القديمة، وشوارعها الضيقة، وأشجار النخيل على الجانبين، تحمل عبق الماضي وأريجه...
نسمات عليلة، وجو هادئ ساكن، لا صخب ولا ضجيج...
هدوء وسكينة وطمأنينة..
ودخلنا لنصلي ركعتين في هذا المسجد المبارك....


" من خرج حتى أتى هذا المسجد – مسجد قباء – فصلى فيه؛ كان له عدل عمرة" السلسلة الصحيحة/ الألباني/ 3446)

ثم قامت الصلاة، فصلينا صلاة العصر، ودعونا المولى جل وعلا بما فتح به علينا...

ثم انطلقنا إلى أحدُ.....


أحُد جبل يحبنا ونحبه...

ووقفنا على الرمال الدافئة الممتدة من حولنا....
وأخذت أتلفت حولي، وأجول ببصري في هذه البقعة المباركة...
ذلك هو جبل الرماة، حيث استشهد عبد الله بن جبير رضي الله عنه، ومن بقي معه من الرماة، ثابتين على الحق، مطيعين لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حارسين لهذا الثغر حتى آخر قطرة من دمائهم الزكية، لم يلتفتوا لغنيمة ولا لمتاع، ودفعوا أرواحهم ثمنا لخطيئة إخوانهم...

وهذا هو جبل أحُد.......... الشامخ الأشم............ الحنون...
الذي ارتجف بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:

"اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق، وشهيدان" (صحيح البخاري)

أحُد الذي تحصن به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت يقاتل قتال الأنبياء، والصحابة من حوله، يفدونه بأرواحهم ومهجهم، ويتساقطون بين يديه واحدا تلو الآخر، ليموتوا وتبقى العقيدة، فما كانوا أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون..

بأبي أنت وأمي يا رسول الله
صلوات ربي وسلامه عليك يا حبيب الله

وانكشفت الغمة، وتراجع جيش الكفر والهمجية، القوي الكبير العتيد، أمام ثبات هذه الثلة المؤمنة الصابرة المرابطة، وصمودها واستماتتها...
وكفكف الصحابة رضوان ربي عليهم دموعهم ودماءهم، وهم يرون أجساد إخوانهم الذين سقطوا في ساحة الوغى...

سبعون شهيدا...
سبعون شهيدا من خيرة أهل الأرض...


مصعب بن عمير...
والهفاه عليك يا مصعب الخير...
يا أول سفير في الإسلام...

يا من دخل بفضله الإسلام إلى كل بيت من بيوت المدينة..
يا من مهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذه البلدة الحبيبة، حتى صارت قلوب أهلها تهفو إليه، وتطير شوقا للقياه..

أيها الشاب الذي كان ناعما مدللا مترفا...
يا من جعله حب الله وحب رسوله يستشهد فلا يجدون ما يغطونه به إلا ثوبا إن غطى رأسه كشف عن قدميه الشريفتين الطاهرتين..
فتدمع عينا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا المنظر الذي ينضح بالصدق والإخلاص... والتجرد لحب الله...


أنس بن النضر....
عم سيدنا أنس بن مالك...
استبسل واستأسد في القتال حتى أثبتته الجراح، حتى ما عرفوه من كثرة ما أصابه من طعن وضرب، إلا أخته عرفته من بنانه..


وعمرو بن الجموح، من أراد أن يخطر بعرجته في الجنة..

وعبد الله بن عمرو بن حرام، مخلفا بناته الصغيرات حملا ثقيلا ينوء به كاهل أخيهن الشاب الفقير جابر بن عبد الله

وأسد الله وأسد رسوله..
حمزة بن عبد المطلب..
من كان يصول ويجول بين المشركين، يهدهم بسيفه هدا...
وقد مُزقت بطنه، وليكت كبده..
وتمعّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يرى عمه الحبيب، وقد مَثل بجثته، وتجرأ عليه بعد موته من كانوا يهابون المرور من أمامه في حياته...

فداك أبي وأمي ونفسي وروحي يا رسول الله..

ها هو قبر حمزة رضي الله عنه..... إنه إلى يميني...
وجبل أحُد من ورائي..
وجبل الرماة من يساري..
وهنا حيث أقف دارت رحى المعركة الضارية..
ومن هناك جاءت جيوش الكفر.... وإلى هناك أدبرت...

كنت أحكي لأبنائي وأبناء عمومتهم هذه الأحداث المتلاحقة من السيرة المباركة...
درس عملي ميداني..
نستشعر جلال الموقف...
وتهب علينا النسمات العطرة الباردة، فتحيي في قلوبنا هذه الذكريات الشذية، يعطرها أريج دم الشهداء الذي اختلط بهذا التراب الطاهر...
ماذا فعلتم يا أحفاد الشهداء؟....
لقد رووا الثرى بدمائهم العطرة، وثوت أجسادهم الطاهرة هنا... تحت هذه الرمال...
لتحيا العقيدة، وترثوا الدين....

فماذا فعلتم بميراثكم؟
ماذا فعلتم بميراثكم يا أحفاد الأبطال العظماء؟...






0 تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting