أحمد و الجيران..
أحمد انتقل من سنوات الى بيته الجديد..
تعود أن يغير البيت كل فترة..
كحال كل من هرب من الربا..
و خيّر الحلال الخالص..
و خير مشقة الصبر على الإيجار و مشاكله على نار جهنم و لهيبها..
و يحمد الله على ما اختاره له من ابتلاء في هذه الناحية بالذات..
فلم يجد يوما مكانا يستقر فيه ..
ولا صاحب بيت يخشى الله فيه..
ربما لهذا.. لم يكن له يوما جيرانا بأتم معنى الكلمة..
أول ما يبدأ التعرف و التقرب من جار الا و يأتي وقت رحيله..
فأصبح يضع الجيران في خانة الأصحاب.."القدامى"
و بابتعاد المكان أصبحوا مصدرا لتأنيب الضمير..
يعرف منهم العشرات..
و لا يستطيع زيارتهم كلهم أو التواصل معهم..
لكنه اليوم قرر أن يغير نظام حياته..
صاحب البيت الجديد يبدو أقل جشعا من سابقيه..
يعني قد يطول به المقام في هذه الشقة الصغيرة..
هذا كان أول التفكير الجدي في علاقاته مع الجيران..
لكنه سرعان ما غير نيته..
" و ما علاقة مدة بقائي بعلاقتي بجيراني؟ هل سأتعرف عليهم لأحس بالاستقرار بينهم و لتجنب أذاهم و كسب مودتهم أم سيكون اكراما و احسانا خالصا لله؟ فإن أردته خالصا لله.. فلأرى ما يطلب مني خالقي و لأطبقه كما هو.. فإن لم يحدد الإسلام العلاقة بالجار بمدة معينة.. فلن أجعل هواي حكما لي..."
و هكذا قرر أن يحتكم الى الله و رسوله و أن يطبق بلا أي حرج ما جاء به الاسلام..
و عائشة كعادتها.. موافقة على طول الخط طالما أن الطريق هو طريق الله..
و كانت لا تعلم أن موافقتها هذه ليست هينة عند الله.. اذ جعلها الله سببا لتثبيت أحمد على الصراط المستقيم..
كان أحمد يثق في قلب زوجته.. يعرف أنه قلب مؤمن يحب الله و رسوله و مستعد أن يحيا و يموت في سبيله.. فبمجرد أن يرى موافقتها أو تحمسها لموضوع.. يقطع كل الشكوك التي يزرعها الشيطان في قلبه.. و يرجح مباشرة كفة الخير باعتبار أن موافقة زوجته ما هي الا تثبيتا لقلبه من الله على المضي قدما..
كان يتشجع بعائشة..
و "يتبارك بها"
فقرر أحمد ببساطة أن يبدأ باب اكرام الجيران..
و كعادته كان يأخذ أمور دينه بقوة..
نعم.. الحمد لله الذي ألهمني هذه الجملة فهي تلخص شخصية أحمد أصدق تلخيص: كان يأخذ أمور دينه بقوة..
لم يكن يتساهل مع نفسه و يتسامح معها في التطبيق..
صحيح أنه يأخذ وقته في التفكير..
لكن بمجرد أن يقرر.. يتوكل على الله و يأخذ الأمر بجدية و بحزم..
لم يكن من هواة الأعذار و التهاون و الاستخفاف...
المهم..
كعربون "جدية"..
..ذهب الى أحد المكتبات المعروفة..
المختصة في بيع الكتب الجيدة..
و اشترى أصغر كتاب وجده عن الجيران..
و عمل مجلس ذكر ليلتها مع زوجته حول هذا الموضوع..
أي ببساطة.. هو يقرآن بالتناوب ال32 صفحة للكتيب الصغير..
أحدهما يقرأ و الثاني يسمع..
ثم بعد نصف ساعة انتهيا من المطالعة..
و سألها: " ماذا استفدنا من الكتاب؟"
قالت – كالتلميذة النجيبة: " أن الاحسان الى جار دليل على الايمان.. وأن الرسول صلى الله عليه و سلم كاد أن يورثه.. و أن الاحسان الى الجار ينقسم الى شقين: إكرامه من جهة و الصبر على أذاه من جهة أخرى"
قال لها: "ممتاز.. أوجزت فأحسنت.. هذا هو.. الاكرام و الصبر"
قالت" فما فكرتك زوجي؟"
قال: "ننوي, نعزم, نتوكل على الله, نستخير, و غدا ان شاء الله نقوم بما شرح الله صدرنا له.."
و فعلا في الليلة ذاتها..
صليا ركعتين..
و فكر قليلا قبل أن ينام و هو يستحضر في ذهنه صور جيرانه..
فيهم الطيب.. لكن فيهم من أذاه.. بل أذى زوجته.. بل أذى الاسلام.. حيث كان يهمس لصاحبه و عائشة تمر أمامهما ظنا منه أنها لا تسمعه –أو لعله تعمد اسماعها:" أنظر الى هاته الجارة الجديدة حاطة شكارة على راسها.. تقولش عليها أمك سيسي.. "
تذكره.. و تذكر كم بكت زوجته يومها.. و خطّر له الشيطان أن بقية الجيران كلهم أمثاله..
و أحس بشيء في قلبه..
مزيج من الغل و الغيظ و الحرقة.. ودّ لو ينزل لجاره يحطم له فكّيه حتى لا يتجرّأ على فعلته..
لكنّه تذكّر حلم الحبيب صلى الله عليه و سلم..
و تذكر كيف اتفق مع زوجته يومها على أن يعفوان عنه في سبيل الله..
و أنهما اتفقا على أن يتشفعان بهذا العفو عند الله في أواخر رمضان.. حتى يعفو عنهما..
اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعفو عنا..
فطابت نفسه.. و هدأت.. و لانت..
ما أجمل التعامل مع الله..
نام نومة هنيئة..
و في الصباح استيقظ و قد قذف الله في قلبه فكرة جنّتيه..
بل الأصحّ أن الله اختار قلب عائشة لهذه الفكرة..
كأن قلبها "ديوانة" البيت (أي جمارك), لا يدخله خير الا اذا مرّ به..
و هذا اختيار من الله..
كلّ خير في حياتهما.. لا بد أن يكون أوفر صيب فيه لعائشة..
رغم أن أحمد هو الذي يظهر في الصورة..
وراء كل أحمد عائشة؟ ربما.. لكن المؤكد الذي لا شكّ فيه هو أنه وراء كل مؤمن ربّا...
أكمل البقية ان شاء الله بعد قليل.. (البقية بعنوان: عائشة و التمر و قطرات زمزم)
*آسف على التطويل و الدخول في بعض الجزئيات الخارجة عن الموضوع.. اعتبروا خواطري مثل اللوفت أو الستار أكادمي.. نقل حي لواقع معين بهوامشه و شوائبه..
أحمد انتقل من سنوات الى بيته الجديد..
تعود أن يغير البيت كل فترة..
كحال كل من هرب من الربا..
و خيّر الحلال الخالص..
و خير مشقة الصبر على الإيجار و مشاكله على نار جهنم و لهيبها..
و يحمد الله على ما اختاره له من ابتلاء في هذه الناحية بالذات..
فلم يجد يوما مكانا يستقر فيه ..
ولا صاحب بيت يخشى الله فيه..
ربما لهذا.. لم يكن له يوما جيرانا بأتم معنى الكلمة..
أول ما يبدأ التعرف و التقرب من جار الا و يأتي وقت رحيله..
فأصبح يضع الجيران في خانة الأصحاب.."القدامى"
و بابتعاد المكان أصبحوا مصدرا لتأنيب الضمير..
يعرف منهم العشرات..
و لا يستطيع زيارتهم كلهم أو التواصل معهم..
لكنه اليوم قرر أن يغير نظام حياته..
صاحب البيت الجديد يبدو أقل جشعا من سابقيه..
يعني قد يطول به المقام في هذه الشقة الصغيرة..
هذا كان أول التفكير الجدي في علاقاته مع الجيران..
لكنه سرعان ما غير نيته..
" و ما علاقة مدة بقائي بعلاقتي بجيراني؟ هل سأتعرف عليهم لأحس بالاستقرار بينهم و لتجنب أذاهم و كسب مودتهم أم سيكون اكراما و احسانا خالصا لله؟ فإن أردته خالصا لله.. فلأرى ما يطلب مني خالقي و لأطبقه كما هو.. فإن لم يحدد الإسلام العلاقة بالجار بمدة معينة.. فلن أجعل هواي حكما لي..."
و هكذا قرر أن يحتكم الى الله و رسوله و أن يطبق بلا أي حرج ما جاء به الاسلام..
و عائشة كعادتها.. موافقة على طول الخط طالما أن الطريق هو طريق الله..
و كانت لا تعلم أن موافقتها هذه ليست هينة عند الله.. اذ جعلها الله سببا لتثبيت أحمد على الصراط المستقيم..
كان أحمد يثق في قلب زوجته.. يعرف أنه قلب مؤمن يحب الله و رسوله و مستعد أن يحيا و يموت في سبيله.. فبمجرد أن يرى موافقتها أو تحمسها لموضوع.. يقطع كل الشكوك التي يزرعها الشيطان في قلبه.. و يرجح مباشرة كفة الخير باعتبار أن موافقة زوجته ما هي الا تثبيتا لقلبه من الله على المضي قدما..
كان يتشجع بعائشة..
و "يتبارك بها"
فقرر أحمد ببساطة أن يبدأ باب اكرام الجيران..
و كعادته كان يأخذ أمور دينه بقوة..
نعم.. الحمد لله الذي ألهمني هذه الجملة فهي تلخص شخصية أحمد أصدق تلخيص: كان يأخذ أمور دينه بقوة..
لم يكن يتساهل مع نفسه و يتسامح معها في التطبيق..
صحيح أنه يأخذ وقته في التفكير..
لكن بمجرد أن يقرر.. يتوكل على الله و يأخذ الأمر بجدية و بحزم..
لم يكن من هواة الأعذار و التهاون و الاستخفاف...
المهم..
كعربون "جدية"..
..ذهب الى أحد المكتبات المعروفة..
المختصة في بيع الكتب الجيدة..
و اشترى أصغر كتاب وجده عن الجيران..
و عمل مجلس ذكر ليلتها مع زوجته حول هذا الموضوع..
أي ببساطة.. هو يقرآن بالتناوب ال32 صفحة للكتيب الصغير..
أحدهما يقرأ و الثاني يسمع..
ثم بعد نصف ساعة انتهيا من المطالعة..
و سألها: " ماذا استفدنا من الكتاب؟"
قالت – كالتلميذة النجيبة: " أن الاحسان الى جار دليل على الايمان.. وأن الرسول صلى الله عليه و سلم كاد أن يورثه.. و أن الاحسان الى الجار ينقسم الى شقين: إكرامه من جهة و الصبر على أذاه من جهة أخرى"
قال لها: "ممتاز.. أوجزت فأحسنت.. هذا هو.. الاكرام و الصبر"
قالت" فما فكرتك زوجي؟"
قال: "ننوي, نعزم, نتوكل على الله, نستخير, و غدا ان شاء الله نقوم بما شرح الله صدرنا له.."
و فعلا في الليلة ذاتها..
صليا ركعتين..
و فكر قليلا قبل أن ينام و هو يستحضر في ذهنه صور جيرانه..
فيهم الطيب.. لكن فيهم من أذاه.. بل أذى زوجته.. بل أذى الاسلام.. حيث كان يهمس لصاحبه و عائشة تمر أمامهما ظنا منه أنها لا تسمعه –أو لعله تعمد اسماعها:" أنظر الى هاته الجارة الجديدة حاطة شكارة على راسها.. تقولش عليها أمك سيسي.. "
تذكره.. و تذكر كم بكت زوجته يومها.. و خطّر له الشيطان أن بقية الجيران كلهم أمثاله..
و أحس بشيء في قلبه..
مزيج من الغل و الغيظ و الحرقة.. ودّ لو ينزل لجاره يحطم له فكّيه حتى لا يتجرّأ على فعلته..
لكنّه تذكّر حلم الحبيب صلى الله عليه و سلم..
و تذكر كيف اتفق مع زوجته يومها على أن يعفوان عنه في سبيل الله..
و أنهما اتفقا على أن يتشفعان بهذا العفو عند الله في أواخر رمضان.. حتى يعفو عنهما..
اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعفو عنا..
فطابت نفسه.. و هدأت.. و لانت..
ما أجمل التعامل مع الله..
نام نومة هنيئة..
و في الصباح استيقظ و قد قذف الله في قلبه فكرة جنّتيه..
بل الأصحّ أن الله اختار قلب عائشة لهذه الفكرة..
كأن قلبها "ديوانة" البيت (أي جمارك), لا يدخله خير الا اذا مرّ به..
و هذا اختيار من الله..
كلّ خير في حياتهما.. لا بد أن يكون أوفر صيب فيه لعائشة..
رغم أن أحمد هو الذي يظهر في الصورة..
وراء كل أحمد عائشة؟ ربما.. لكن المؤكد الذي لا شكّ فيه هو أنه وراء كل مؤمن ربّا...
أكمل البقية ان شاء الله بعد قليل.. (البقية بعنوان: عائشة و التمر و قطرات زمزم)
*آسف على التطويل و الدخول في بعض الجزئيات الخارجة عن الموضوع.. اعتبروا خواطري مثل اللوفت أو الستار أكادمي.. نقل حي لواقع معين بهوامشه و شوائبه..
0 تعليقات:
إرسال تعليق